المعاملات المالية الحديثة (السمسرة )"الدلالة"
مقدمة
السمسرة كلمة معربة وهي في الأصل
فارسية، وقد استعملها العرب في زمن الجاهلية، ويُرادُ بها في اللغة: الوساطة بين
البائع والمشتري لإمضاء البيع، ويطلق نفس اللفظ على العمولة التي يتلقاها السمسار،
والسمسرة عبارة عن التوسط بين المتعاقدين للتوفيق بينهما مقابل أجرة معلومة والسمسار
هو مَن يتولى البيع والشراء لحسابِ الغير مقابل أجرٍ يأخذه ويُسمَّى الدلاَّل؛
لأنه يدل المشتري على السلعة ويدل البائع على الأثمانِ.
السمسرة و مشروعة عند الجمهور من فقهاء المسلمين
·
فهي أحد صيغ التعاون فى تنفيذ
عمليات البيع والشراء وما فى حكمها فى إطار أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية فهي من
التعاون علي البر والتقوى.
·
ولقد أجاز رسول الله أعمال السماسرة فى الأسواق، فقد روى قيس بن أبي
غَرَزَةَ أنه قال: خرج علينا رسول الله ونحن نُسَمَّى بالسماسرة، فقال: "يا معشر
التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع، فشوبوا بيعكم بالصدقة " (رواه
الترمذي وقال حديث صحيح) ويفهم من هذا الحديث أن الرسول لم
ينكر عليهم السمسرة وأوجب عليهم الزكاة والصدقات لتطهير أموالهم من اللغو والحلف
الكذب ونحو ذلك من الآثام مما يحدث عادة فى مجال المعاملات التجارية.
·
وقد نصَّ جمعٌ من الأئمةِ على
جوازِ السمسرة، وجواز أخذ الأجرة عليها، فقد سُئل الإمام مالك رحمه الله عن أجر
السمسار فقال: لا بأس بذلك. وقد بوَّب الإمام البخاري للسمسرة في صحيحه، فقال:
(باب أجرة السمسرة) ولم يرَ ابن سيرين وعطاء وإبراهيم والحسن بأجر السمسار بأسًا،
وقال ابن عباس: لا بأسَ أن يقول: بِعْ هذا الثوب، فما زاد على كذا وكذا فهو لك،
وقال ابن سيرين: إذا قال بِعْه بكذا فما كان من ربح فهو لك أو بيني وبينك فلا بأسَ
به، وقال النبي: "المسلمون عند شروطهم". رواه الحاكم
والبيهقي. صحيح.
·
وتعتبر
أعمال السمسرة من الأعمال المباحة شرعاً وفقاً للقاعدة الشرعية: "الأصل فى
العقود الإباحة فلا يحرم منها إلاّ ما حرمه الله ورسوله"، ولم يحرم الله عقدا
فيه مصلحة للمسلمين بلا مفسدة، وتأسيساً على ذلك فإن أي عقد مستجد فى الحياة
المعاصرة يكون مقبولاً شرعاً إذا لم يتصادم مع دليل شرعى من الكتاب والسنة أو الإجماع
أو القياس، وكان مما اقتضته مصالح الناس العامة ولم يشتمل على مفسدة راجحة.
·
الحاجة
تدعو للتعامل بالسمسرة؛ فهي عمل نافع للمتعاملين وللسمسار لأنَّ كثيراً من الناس
لا يُحسن التجارة ولا يعرف طرق الوصول إلى شراء وبيع واستئجار ما يرغبون فيه من
السلع والأدوات، وقد يُحسن ولكنه لا يتفرغ، وقد لا تليق به التجارة ولذا فقد أصبحت
السمسرة اليوم من ضرورات الأعمال التّجاريّة، ومن الطّبيعي أنّ هذا السّمسار
المتخصّص بهذا العمل، يدلّ البائع على المشتري،
ويدلّ المشتري على البائع، وينصح لهما ويأخذ على ذلك أجراً.
قولا بتحريم السمسرة
ولكن هناك قولا بتحريم السمسرة ينسب إلي متقدمي الأحناف وابن عباس، ولكن هذا ليس على إطلاقه بل مقيد بتلق الركبان الذي جاءت النصوص بالنهي عنه. فعن جَابِرٍ قال: قال رسول اللَّهِ: "لَا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ دَعُوا الناس يَرْزُقْ الله بَعْضَهُمْ من بَعْضٍ" البخاري ومسلم واللفظ لمسلم.
وقد فسّر
العلماء ذلك بأن يقدم غريب بمتاع تعم الحاجة إليه، ليبيعه بسعر يومه، فيأتيه ابن
المدينة، فيقول له: خل متاعك عندي حتى أبيعه لك على المهلة بثمن غال، ولو باع
البادي بنفسه لأرخص ونفع البلدين، وانتفع هو أيضا.وكانت هذه صورة كثيرة الشيوع في
مجتمعهم إذ ذاك،.وهذه الكلمة النبوية الموجزة: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم
من بعض" تضع مبدأ هاما في الميدان التجاري؛ أن تترك السوق وأسعارها
ومبادلاتها للتنافس الفطري، والعوامل الطبيعية دون تدخل مفتعل من بعض الأفراد. وقد
سئل ابن عباس عن معنى "لا يبع حاضر لباد" فقال: لا يكون له سمسارا"
البخاري ومسلم. ومعنى
هذا أنه إذا دله على السعر ونصح له وعرفه بأحوال السوق من غير أن يأخذ أجرا كشأن
السماسرة فهذا لا بأس به، لأنه ينصحه لله والنصيحة جزء من الدين بل هي الدين كله
كما في الحديث الصحيح: "الدين النصيحة" مسلم.
ويتّضح
من هذا أنّ السّمسرة المنهى عنها هي (أن يبيع حاضر لباد)،
وهي محصورة النّفع بابن البادية، وبالوسيط أو السّمسار، وهي ضرر على النّاس، وهذه غير السّمسرة المعروفة
اليوم والتي تنفع الطّرفين، وتدلّ كلاً منهما
على الآخر، وتعرّفه بمزايا البضاعة ومواصفاتها، وتقتضي من السّمسار تفرّغاً لمهمّته يستحقّ معها الأجر، وقد
أصبحت من ضرورات التّجارة المعاصرة.
ولكنّ السّمسار يجب أن يكون واضحاً مع
النّاس، وأنّه يقوم بعمل ويأخذ عليه أجراً، فلا يجوز له أن يوهم المشتري أنّه فعل
ذلك من قبيل الخدمة والنّصيحة، بينما هو يتّفق مع
البائع أن يأخذ أجراً على عمله. فمن أهمّ مبادئ الإسلام
في العقود: الوضوح في التزامات الطّرفين.
إنّ
المتفرّغ لعمل السّمسرة والذي يقصده النّاس
لأجل ذلك عمله مباح، وأجره مشروع إذا التزم بالصّدق مع الطّرفين.
أمّا
الإنسان العادي، الذي يقوم بأعمال السّمسرة وهي ليست مهنته، فإن كان ذلك على سبيل الخدمة
فعمله مشكور، وإذا طلب الأجر من الطّرفين أو من أحدهما بعلم
الآخر فهو جائز.
وأما إذا
كان السّمسار موظّفاً عند أحد الطّرفين، ومن
واجبه أن يشتري له بضاعة معيّنة فيتّفق مع أحد البائعين
على أن يشتري منه هذه البضاعة، ويأخذ سمسرة عليها بنسبة معيّنة دون علم صاحبه، فهذا من باب الخيانة .
آداب السمسرة
يحرص السماسرة على إتمام الصفقات بهدف
الربح، وقد يخالط السمسرة الكثير من الغش والتدليس، إضافةً إلى أنَّ المتعاقِدَين
لا يعرف أحدهما الآخر، وهما يعتمدان على أمانة السماسرة في تحقيق أهدافهما ولذا فيشترط
في السمسار:
1-
أن لا يكون وسيطًا في بيع ما حرَّم الله بيعَه، كالخمر والخنزير، والاستئجار على
البغاء والمحرمات. وكذلك المعاملات الربوية وشبه الربوية مهما كانت المغريات
والضغوط.
2- أن
لا يخلط بين الوساطة الحلال والحرام، فلا يتلقَّى التجار قبل دخول السوق ليشتري
بسعرٍ ثم يبيع في السوقِ بسعرٍ أعلى، فقد نهى الرسول عن ذلك حيث قال: "لا
يبِع بعضكم على بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق" البخاري، ونهى
أن يبيع حاضرٌ لبادٍ، ونهى عن النجش، وهو زيادة السعر فيما يُسمَّى بالمزاد العلني
وهو لا يريد الشراء وإنما يتدخل لزيادةِ سعر السلعة.
3- أن
يكون مخلصًا في وساطته، فلا يجور على المشتري من أجلِ البائع، ولا يظلم البائع من
أجل المشتري.
4- أن
يكون أمينًا صادقًا في بيانِ ما يتعلق بالسلعةِ من مواصفات فيبين عيوب السلعة
ومميزاتها لتتضح الصورةُ أمام المشتري ولا يجوز له أن يضلل من عهد إليه بعمل ما بمعلومات
خاطئة عن الشيء المعقود عليه.
5- أن
تحدد الأجرة التي سيأخذها من كلٍّ من البائعِ أو المشتري أو منهما معا بحيث يقطع
التنازع بعد إتمام البيع.
6- أن
يكون خبيرًا فيما يُتوسط فيه بين البائع والمشتري؛ حتى لا يضر أحدهم، فالخبرة
مطلوبة في المجال الذي يعمل فيه السمسار.
7- يحظر
عليه المساهمة فى ترويج الإشاعات الكاذبة التى تسبب الأضرار للغير.
6- إفشاء
أسرار العملاء بما يسبب لهم الأضرار.
أجر ونسبة السمسرة
النسبة والأجر تتحدد حسب الاتفاق بين البائع والمشتري والسمسار، فللسمسار أن يتقاضى أجرًا من البائع فقط أو من المشتري فقط أو من البائع والمشتري معًا، وهذا يرجع إلى الاتفاقِ بين السمسار والطرفين "المسلمون عند شروطهم"، على ألا يكون في الأجرِ مغالاةٌ أو ضررٌ للطرفين البائع والمشتري، أي يكون مما جرى عليه العرف وتعارَفَ عليه الناس.
مع تحياتى د/بدوى حسن