نبذة عن الإمام ابن الجزري رحمه الله

 


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ المَنَّانِ، ذِيْ الطَّولِ وَالفَضْلِ وَالإِحْسَانِ، الَّذي هَدَانَا لِلإِيمَانِ، وَفَضَّلَ دِينَنَا عَلَى سَائِرِ الأَدْيَانِ، وَمَنَّ عَلَينَا بِإِرْسَالِهِ إِلَيْنَا أَكْرَمَ خَلْقِهِ عَلَيْهِ وَأَفْضَلَهُمْ لَدَيْهِ، حَبِيبَهُ وَخَلِيلَهُ وَعَبْدَهُ وَرَسُولَهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَمَحَا بِهِ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ، وَأَكْرَمَهُ صلى الله عليه وسلم بِالقُرْآنِ المُعْجِزَةِ المُسْتَمِرَّةِ عَلَى تَعَاقُبِ الأَزْمَانِ الَّتِي تَحَدَّى بِهَا الإِنْسَ وَالجَانَّ بِأَجْمَعِهِمْ، وَأَفْحَمَ بِهَا جَمِيعَ أَهْلِ الزَّيغِ وَالطُّغْيَانِ، وَجَعَلَهُ رَبِيعًا لِقُلُوبِ أَهْلِ البَصَائِرِ وَالعِرْفَانِ فَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَتَغَايُرِ الأَحْيَانِ، وَيَسَّرَهُ لِلْذِّكْرِ حَتَّى اسْتَظْهَرَهُ صِغَارُ الوِلْدَانِ، وَوَفَّقَ لِلاعْتِنَاءِ بِعُلُومِهِ مَنِ اصْطَفَاهُ مِنْ أَهْلِ الحِذْقِ وَالإِتْقَانِ، فَجَمَعُوا فِيهَا مِنْ كُلِّ فَنٍّ ما تَنْشَرِحُ لَهُ صُدُورُ أَهْلِ الإِيقَانِ.

أَحْمَدُهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيرِهِ مِنْ نِعَمِهِ الَّتِي لا تُحْصَى خُصُوصًا عَلَى نِعْمَةِ الإِيمَانِ، وَأَسْأَلُهُ الْمِنَّةَ عَلَيَّ وَعَلَى جَمِيعِ أَحْبَابِي وَعَلَى سَائِرِ المُسْلِمِينَ بِالرِّضْوَانِ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُحَصِّلَةً لِلْغُفْرَانِ مُنْقِذَةً صَاحِبَهَا مِنَ النِّيرَانِ، مُوصِلَةً لَهُ إِلَى سُكْنَى الجِنَانِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الدَّاعِي إِلَى الإِيمَانِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ وَعَظَّمَ مَا تَعَاقَبَ الجَدِيدَانِ، ثم أمَّا بَعْدُ؛

أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بترتيل القرآن الكريم وتجويده فقال تعالى: "وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً" (المزمل:4)، وهذا الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم وكذلك للمؤمنين من بعده، جاء في تفسير ابن كثير لهذه الآية: "أي اِقْرَأْهُ عَلَى تَمَهُّل فَإِنَّهُ يَكُون عَوْنًا عَلَى فَهْم الْقُرْآن وَتَدَبُّره وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ". وسئل علي بن أبي طالب عن هذه الآية، فقال: الترتيل هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. وقال ابن عباس: أي بينه تبييناً. وقال مجاهد: أي ترسل فيه ترسلاً.

 وأثنى الله عز وجل على من يجود قراءته ويحسن تلاوته، فقال تعالى: " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ " (البقرة:121). فحق على كل امرئ مسلم أن يقرأ القرآن وأن يرتله كمال ترتيله ويُجوده على أفضل حال؛ بحيث يُخرج كل حرف من مخرجه ويُعطيه حقه ومستحقه من الصفات.

وإن من أهم الأمور التي تُعين على ترتيل القرآن الكريم تعلم أحكام التجويد، وقد كتب الكثير من أهل العلم كتباً وشروحاتٍ في بيان أحكام هذا العلم وتفصيلاته، كما ونظم بعض علمائنا الأجلاّء قصائد شعرية احتوت على بيان أحكام التجويد، ومنها: "منظومة المقدِّمَة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه" المشهورة ب (المقدمة الجزرية) للإمام/ ابن الجزري رحمه الله.


     نبذة عن الإمام ابن الجزري رحمه الله


اسمه ومولده:

  هو شيخ القراء العلامة الثقة الإمام الحافظ: أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الجَزَرِيّ الشهير بابن الجَزَرِيّ نسبة إلى جزيرة ابن عمر (تسمى جزيرة بوطان حالياً) وتقع في منطقة جنوب شرق الأناضول بتركيا، قرب حدود العراق وسوريا.

ولد رحمه الله بدمشق في ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 751ه، الموافق 30 نوفمبر 1350 ه، وقصة ولادته عجيبة، فقد كان أبوه عقيماً -أي لا يولد له-، فذهب إلى الحج، وفي أثناء حجته شرب من ماء زمزم بنية ولد صالح عالم، ثم رجع إلى الشام، فما أن جاء رمضان إلا وقد وُلد ابنه محمد.


نشأته وحياته:

نشأ رحمه الله في دمشق، وأتم حفظ القرآن الكريم في الثلاثة عشر من عمره، وصلى به وهو ابن أربعة عشر، وأفرد القراءات وعمره خمس عشرة سنة، وجمعها وهو ابن سبعة عشر عاماً.

وحج مراراً، ورحل إلى مصر تكراراً والتقى بالأئمة القرّاء، وسمع الحديث، وأخذ الفقه، وأجازه بالإفتاء أبو الفداء إسماعيل بن كثير وغيره.

وجلس للإقراء تحت قُبَّة النَّسر من الجامع الأُموي سنين، ووليَ مشيخة الإقراء الكبرى، وابتنى بدمشق مدرسة سماها (دار القرآن الكريم)، وولي قضاء الشام سنة 793ه.

ولم يكن الإمام عالماً في التجويد والقراءات فحسب، بل كان عالماً في شتى العلوم من تفسير وحديث وفقه وأصول وتوحيد وبلاغة ولغة. وسافر لنشر العلم إلى أنطاكيا ثم بُرْصَة في تركيا، ولما قامت الفتنة التيمورية في بلاد الروم رحل إلى بلاد ما وراء النهر ثم إلى شيراز في إيران، وتعلم على يديه خلق كثيرون.


شيوخه:

كان الإمام ابن الجزري رحمه الله شافعي المذهب، تلقي العلم على شيوخ كثيرين، نذكر منهم:

أولا:   الشيوخ الذين تلقى عنهم علم القراءات والتجويد:

أ‌- من علماء دمشق: العلامة أبو محمد عبدالوهاب بن السُّلاَر، والشيخ أحمد بن إبراهيم الطحان، والشيخ أبو المعالي محمد بن أحمد اللبان، والشيخ أحمد بن رجب، والقاضي أبو يوسف أحمد بن الحسين الكفري الحنفي.

ب‌-من علماء مصر: الشيخ أبو بكر عبدالله بن الجندي، والعلامة أبو عبدالله محمد بن الصائغ، والشيخ أبو محمد عبدالرحمن بن البغدادي، والشيخ عبدالوهاب القروي.

ت‌-   من علماء المدينة المنورة: الشيخ أبي عبدالله محمد بن صالح الخطيب.


ثانيا:  الشيوخ الذين تلقى عنهم الحديث والفقه والأصول واللغة وغير ذلك:

تلقى هذه العلوم رحمه الله من خلق كثير من شيوخ مصر وغيرهم، منهم: الشيخ ضياء الدين سعد الله القزويني، والشيخ صلاح الدين محمد بن إبراهيم بن عبدالله المقدسي الحنبلي، وشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، والإمام المفسر المحدث الحافظ المؤرخ أبي الفداء إسماعيل بن كثير صاحب التفسير المعروف ب(تفسير ابن كثير)، وهو أول من أجاز له بالإفتاء والتدريس سنة 774ه.


تلاميذه:

أخذ العلم عن الإمام ابن الجزري رحمه الله تلاميذ كثيرين، ومنهم:

1- ابن الناظم: أبو بكر أحمد بن محمد الجزري.

2- الشيخ: إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي.

3- الشيخ: محمود بن الحسين بن سليمان الشيرازي.

4- الشيخ: عبد الدائم بن علي الأزهري.

5- الشيخ: أبي الفتح محمد بن محمد بن علي المزي.

6- الشيخ: أبوبكر بن أحمد بن مصبح الحموي.

7- الشيخ: نجيب الدين عبدالله بن قطب بن الحسن البيهقي.

8- الشيخ: أحمد بن محمود بن أحمد الحجازي الضرير.

9- الشيخ: علي بن محمد بن حمزة الحسيني.

10- الشيخ: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن علي الناشري الزبيدي العدناني.


مؤلفاته:

كان غزير الإنتاج في ميدان التأليف، في أكثر من علم من العلوم الإسلامية، وإن كان علم القراءات والتجويد هو العلم الذي اشتهر به، وغلب عليه. إلا أن له كتباً في الحديث ومصطلحه، والفقه وأصوله، والتاريخ والمناقب، وعلوم اللغة، وغير ذلك، وتجاوز عدد مصنفاته التسعين كتاباً، نذكر منها أهم مؤلفاته في علم القراءات والتجويد:

1- منظومة المقدمة فيما يجب على قارئ القرآن أن يعلمه المشهورة ب(المقدمة الجزرية).

2- تحبير التيسير في القراءات العشر.

3- النشر في القراءات العشر.

4- غاية النهاية في طبقات القراء.

5- التمهيد في علم التجويد.

6- منجد المقرئين ومرشد الطالبين.

7- منظومة الدرة المضية في القراءات الثلاث المتتمة للعشر المرضية.

8- منظومة طيبة النشر في القراءات العشر.

9- إتحاف المهرة في تتمة العشرة.

10- غاية المهرة في الزيادة على العشرة.


وفاته:

توفي الإمام ابن الجزري رحمه الله ضحوة يوم الجمعة 5 ربيع الأول سنة833 ه بمنزله بمدينة شيراز في إيران، ودفن بدار القرآن التي أنشأها بها عن عمر يناهز 82 سنة رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته.

تعليقات