مهارات مخاطبة الجماهير 2
ثانياً : جمع المعلومات والبيانات :
وهي المرحلة التالية لاختيار الموضوع ,
وفيها يبدأ الخطيب أو المحاضر بتجميع كل ما يتناول موضوعه المختار ,ويجب أن يكون
عمدته في ذلك :
أ- تجميع ما ورد في القرآن الكريم من آيات
بينات حول الموضوع المختار , مع إعداد التفاسير اللازمة لها وقراءتها بعمق .
ب-
تجميع
ما ورد من أحاديث النبي ومواقف سيرته
العطرة , مع استخلاص الدروس والعبر , ومع مراعاة : التأكد من ثبوت النص وصحته .
ت-
استخدم
أسلوبك أنت في جمع المادة المتعلقة بالخطبة , ولا تكن أثير غيرك , ولا تغرنك
العبارات الجزلة , والأساليب المنمقة , وتذكر أن حديثك لابد أن يكون مراعياً
لمستوى سامعيك .
ث-
عش
في ظلال الموضوع الذي اخترته طوال الأسبوع , فكر بعقلك واستخرج خواطر من نفسك ,
ودون كل ذلك في كراسة خاصة بك أو مفكرة تصطحبها معك في تنقلاتك , فكثيراً ما تكون
الخواطر الواردة ذات قيمة كبيرة , ربما فاقت _ في واقعها _ ما هو مدون في كثير من
الكتب.
ج-
لا
تستصغر أي معلومة مفيدة تقرأها في صحيفة أو مجلة , أو تسمعها من تلفاز أو مذياع ,
بل بادر بتسجيلها والاستفادة منها , فربما أفادتك , وأضافت لك أفكاراً جديدة لم
تكن لديك , " الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها " .
ح-
استعن
" بفواتح الشهية " من أقوال مأثورة , وأشعار توقظ النفس , وتهز الوجدان
, وتنبه العقل , حتى لا تصبح الخطبة جامدة .
خ-
التركيز
, فبعض الخطباء أو المحاضرين لا يلتزم بالفكرة التي اختارها , وإنما يجمع في حديثة
الرطب واليابس , وينعكس تشتت فكرة على المستمع حيرة تنتهي بانصرافه عنه , لأن تعدد
الأفكار لا يتيح للخطيب أو المحاضر جلائها وتوضيحها , وبالتالي تذهب فائدة الحديث
جملة .
وربما كانت الفكرة الواحدة , والتي تنال
حظها من التوضيح والتقرير أبقى في ذهن المستمع وقلبه من هذا الخليط الذي يذهب آخرة
بأوله .
" وقد يحدثك أو المحاضر بحديث قصير
مركز , موحد , وتمر الأعوام وطيفه لا يفارق خيالك , بقدر ما يذهب هؤلاء المحتطبون
بالليل .. يذهبون مع أفكارهم المتراكبة إلى واحة النسيان " .
ثالثاً : اختيار الوقت المناسب للإعداد :
ولكي نبدأ هذه المرحلة لابد أن أقف معك
على حقيقة مهمة جداً , وهي : في أي وقت تبدأ ذلك ؟
إنه لابد أن يحرص الخطيب أو المحاضر على
تهيئة نفسه للكلام , بإفراغ باله من كل ما يشغله ليتمحض للتوجيه , فلابد أن تكون
الرغبة في الحديث قوية " لماذا ؟ لأنه ما أكثر المعاني في عقله , ولكن القلب
أحياناً يكون مشغولاً عنك بهموم العيش فأنى لك إجادة الكلام ؟!
يقول أبو عبيدة البحتري : " كنت في
حداثتي أروي الشعر , وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم , ولم أكن وقفت على تسهيل مأخذ ,
ووجوه اقتضاب , حتى قصدت أبا تمام , وانقطعت إليه , واتكلت في تعريفه عليه , فكان
أول ما قال لي : يا أبا عبيده : تخير الأوقات وأنت قليل الهموم , وصفر من الغموم ,
واعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شيء أو حفظة أن يختار وقت السحر
: وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم , وخف عليها ثقل
الغذاء ..
وزاد : " واحذر المجهول من المعاني
, وإياك أن تشين شعرك بالألفاظ الوحشية , وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف
الكلام , وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير الأجسام , وإذا عارضك الضجر فأرح
نفسك , ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب , ولا تنظم إلا بشهوة , فإن الشهوة نعم
المعين على حسن النًّظم " .
يا أخي _ صورة نفسك , ومرآة مزاجك ,
تستقيك باستقامتك وتهتز باهتزازك , فصفاء الذهن وصحوة لهما أثرهما في إحكام الرأي
, وإجادة اللفظ .
ومن أقسي اللحظات في حياة الخطيب أو
المحاضر أن يفرد عليه الكلام في وقت لم تتوافر لديه الرغبة الكاملة , وربما أسرف
الطالبون في اللوم إذا اعتذر أو المحاضر , لأنهم يحسبون الخطابة " زراً تضغط
عليه فترمي بالكلام كالسيل !
وقد يقعد بك الهم الشاغل القاطع فلا
تصيب الهدف , وتتعثر الكلمات في فمك حتى ينكرك الذين يعرفونك خطيباً أو المحاضراً
مؤثراً ..
ويحتاج خطيب المنبر _ خاصة _ إلى وعى
هذه الحقيقة .
انتظرونا فى المقال القادم مع تحياتى د/ بدوى حسن