تعظيم الشريعة إسلامية للأشهر الحرم

 

تعظيم الشريعة إسلامية للأشهر الحرم



أولاً : تعظيم القرآن للأشهر الحرم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد ....

عظم القرآن الكريم حرمة هذه الأشهر ، كما نبهت السنة على ذلك قال تعالى (عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ)(التوبة:من الآية 36).... أى أنه تعالى جعل العام اثنا عشر شهراً ، واختص من هذه الشهور أربعة جعلها حرماً ، فهذا شرع الله المستقيم ... قال بن عباس : (َلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:من الآية 36) فى الشهور  كلها ، ثم اختص من أربعة أشهر ، فجعلهن حرماً وعظم حرمتهن ، وجعل الذنب فيها أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم .

وقال قتادة : إن الظلم فى الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواهن – وإن كان الظلم فى كل حال عظيماً – ولكن الله يعظم أمره ماشاء ، وقال إن الله اصطفى صفايا من خلقه ، اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس ، واصطفى من الكلام ذكره ، واصطفى من الأرض المساجد ، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم ، واصطفى من الليالى ليلة القدر ، فعظموا ما عظم الله فإنما الأمور بما عظمها الله به عند أهل الفهم وأهل العقل .

وقال بن كثير : (َلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:من الآية 36) أى فى الأشهر المحرمة ؛ لأنها آكد وأبلغ فى الإثم من غيرها ، وكما أن المعاصى فى البلد الحرام تُضاعَف لقوله تعالى  (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)(الحج من الآية: )25 كذلك الأشهر الحرم تُغلظ فيه الآثام ؛ ولهذا تغلظ فيه الدية فى مذهب الإمام الشافعى وطائفة كثيرة من العلماء.

ثانيا :تعظيم السنة للأشهر الحرم

وفى سيرة بن هشام أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لما بعث عبد الله بن جحش ومعه نفرٌ منالمهاجرين إلى نخلة ليرصد بها "قريش" ويأتىه منهم بخبر ، مرت به عيرٌ تحمل لـــ" قريش" – وكان ذلك فى آخر يوم من رجب – فتشاور المسلمون ، فقالوا والله ائن تركتم القوم هذه الليلة ليدخُلنَّ الحرم فليمتنعن منكم ، ولئن قتلتموهم لتقتلنهم فى الشهرالحرام، فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم ، ثم شجعهوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ ما معهم ، فقتلو منهم وأسروا وأصابوا العير ، فلما قدموا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  قال : " ما أمرتكم بقتال فى الشهر الحرام " وعنَّفهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا ... وقالت قريش : قد استحلَّ محمدٌ وأصحابه الشهر الحرام ، وسفكوا الدماء ، وأخذوا فيه  الأموال ، وأسروا فيه الرجال ، فأنزل الله على رسوله – صلى الله عليه وسلم – : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) ( البقرة : من الآية 217) أى إن كنتم قتلتم  فى الشهر الحرام ، فقد صدوكم عن سبيل الله – مع الكفر به – وعن المسجد الحرام ، وإخراجكم منه وأنتم أهله أكبر عند الله من قتل من قتلتم منهم ، والفتنة أكبر من القتل .

روى مسلم عن جابر بن عبد الله عن النبى – صلى الله عليه وسلم – أنه قال فى خطبة عرفة فى حجة الوداع : " إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، فى بلدكم هذا "  فإذا كان الناس فى عهد النبى - صلى الله عليه وسلم – قد عرفوا حرمة البلد الحرام والشهر الحرام ويوم عرفة فقد أكد النبى – صلى الله عليه وسلم –  على تلك الحرنة ، ونبههم إلى وجوب تعظيم حرمة الدماء والأموال  كذلك ؛ وذلك لأن العرب كانوا يستحلون الدماء والأموال لأتفه الأسباب ، وأحرى بالمسلمين اليوم – وقد عرفوا حروة الدماء والأموال – أن يعرفوا حرمة الأشهر الحرم.

كيف نعظم الأشهر الحرم   

تشترك الأشهر الحُرُم الأربعة فى آداب وأحكام ينبغى للمسلم أن يتعلمها ويعمل بها ؛ حتى يكون من الذين يعظمون حرمات الله ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ) ( الحج : من الآية 30)  (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) ( الحج : من الآية 32)  

1- تجنب الوقوع فى الآثام ، خصوصاً فى هذه الأشهر ؛ لأن الآثام تضاعفت فيها لحرمتها ، مثل مضاعفتها إذا ارتُكبت فى البلد الحرام مكة ، قال تعالى : (َلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) (التوبة:من الآية 36) وقد تقدم كلام بن عباس فى تفسيرالآية فقال : وجعل الذنب فيهن أعظم .

2- الإكثار فى الأشهر من الأعمال الصالحة ،   فقد أرشد النبى – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلك بقوله : " صُم من الحُرُم واترك ، صُم من الحُرُم واترك "، وقال بأصبعه الثلاثة فضمَّها ثم أرسلها ، رواه أحمد وأبو داود وان ماجه ، أى أشار بصيلم ثلاثة أيام وافطر ثلاثة أخرى وتقدم كلام بن عباس وجعل العمل الصالح والأجرأعظم ... هذا بخلاف الأمر بالصيام والأعمال الصالحة فى أيام مخصوصة من الأشهر سيأتى بيانها إن شاء الله.

3- أما النهى عن القتال فى هذه الأشهر فقد اختلف العلماء فى حكمه ، هل تحريمه باق على ما كان عليه الأمر فى أول الإسلام أم أنه نُسخ ؟ فالجمهور على أنه نسخ ، وذهبت طائفة إلى بقاء تحريمه .

تابعونا فى المقال القادم مع  تحياتى د/ بدوى حسن

تعليقات