مهارات مخاطبة الجماهير

 

مهارات مخاطبة الجماهير

 مقدمة

عزيزى القارئ هذه سلسلة مقالات عن فن ومهارات الإلقاء أو مخاطبة الجماهير أجتهد فيها أن أتناول بعض النقاط المهمة المتعلقة بهذا الفن الذي هو من أهم وأقدم الفنون فى التاريخ و الحضارات القديمة وكل هذا سواء بما يتعلق بالمحاضر أو خطيب الجمعة وسنتناول هذه العناصر إجمالاً ثم نفصله بإذن الله فى سلسلة المقالات القادمة.

ماهى مقومات المحاضر الناجح؟

تثبت التجربة اليومية قدرة أناس على الحديث – والحديث بطلاقه بلا تلعثم – ولكن إذا كان الحديث فوق " مصطبة " أو تحت شجرة! أما أن يتم من فوق المنبر .. فدون ذلك هموم ثقال .

فالناس هم الناس , والأفكار هي الأفكار بيد أنه سرعان ما تجمد المعاني فلا تنطلق وتخور الأعصاب فلا تقوى على حمل جثة تتصبب عرقاً من هول الموقف . ذلك لأن " مهمة الخطيب ليست منحصرة في توضيح الأحكام الشرعية , ولا في التعريف بموقف الإسلام من بعض القضايا , ولا في الموعظة والتذكير , ولا في الإرشاد والتوجيه , ولا في الترغيب والترهيب , ولكن مهمته تحيط بجميع تلك المواضيع وتستلزم حتماً – إلى جانب ذلك – أن يهتم أعظم الاهتمام بكل ما من شأنه أن يوقظ العقول من استغراقها في متاهات الغفلات , وأن يهز القلوب المتوقفة عن الإحساس بما خلقت لأجله , وعن تصورها للمنهج الذي أقامة الله لاستخلاف الإنسان في الأرض " .

وإن كان المعتاد الحديث في مثل ذلك الموضوع أن يُبدأ بتعريف الخطابة , وبيان مدى أهميتها , والزاد الذي يحتاج إليه المحاضر أو الخطيب , والثقافة التي لا بد من تحصيلها , إلا أننا سنرجئ الحديث عنها الآن .

وسنبدأ حديثنا عن موضوع : كيف تكون محاضراً ؟ فنقول : إنه لابد من المرور بعدة خطوات حتى يتحقق لنا المقصود منها وهي :

  1. اختيار الموضوع .
  2. جمع المعلومات والبيانات .
  3. اختيار الوقت المناسب للإعداد .
  4. بناء هيكل المحاضرة أو الخطبة " مقدمة , موضوع , خاتمة " .

أولاً : اختيار الموضوع :

الخطيب أو المحاضر الموفق هو الذي يقع منه الاختيار على موضوع مناسب يشد الانتباه , ومناسبة الموضوع أن يكون :

        أ‌- في مستوى أفهام السامعين :

من الضروري أن يكون الخطيب أو المحاضر على دراية بمستوى السامعين ليتمكن من اختيار الزاد المناسب , فالوسط العمالي غير الوسط المدرسي , والبيئة الريفية تختلف عن البيئة المدنية , والحديث إلى الفاقهين غيره إلى المثقفين العاديين , فما بالك والجمعة تضم كل ذلك ؟!

إن هذا يفرض على الخطيب أو المحاضر تجانساً شديداً في لغته لتصبح سهله سلسة بعيدة عن الأساليب المنمقة , والعبارات المتعالمة , وروى البيهقي في الشعب عن المقدام بن معد يكرب : عن رسول الله r قال " إذا حدثتم الناس عن ربهم فلا تحدثوهم بما يغرب أو يدق عليهم " .

ويقول ابن مسعود : " ما أنت محدّث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " .

ويقول الإمام النووي في التقريب , وهو يتحدث عن آداب المحدث : " وليتجنب ما لا تتحمله عقولهم وما لا يفهمونه " .

ب‌-  أن يكون حيوياً , متصلاً بحياة الناس الدينية والدنيوية : 

ومعناه أن يكون الخطيب أو المحاضر " معايشاً " للجمهور , وأن يكون دقيق التصور لما يحدث في حياتهم , مراقباً مستمعاً لما يجد من أحداث ليعرضها من كل زواياها , ويسلط الأضواء على نفوس المستمعين تشخيصاً لعللها .

أما أن يكون الخطيب أو المحاضر قد أعد موضوعاً عن الحسد _ مثلاً _ ثم حدث زلزال مدمر , فزع منه الناس ثم أصر الخطيب أو المحاضر على موضوعه الأول , فإن النتيجة الحتمية لذلك أن الخطيب أو المحاضر سيكون في واد وجمهوره في واد آخر , بعد أن قطع بالجمود كل صلات القربى بينه وبين مستمعيه .

ت‌-ألا يكون مما يجري فيه الاختلاف : 

وذلك يضمن المحاضر أن يكون رائداً, قائداً ؛ لأن القضية الخلافية حين تعرض من فوق المنبر فإن المعارضين من المستمعين لن يسلموا زمامهم للخطيب أو المحاضر _ انتصاراً لرأيهم _ وبالتالي لن يظل _ في أذهانهم على الأقل _ محتفظاً بزعامته الدينية بينهم , لاسيما وظروف الخطبة لا تسمح بالحوار والأخذ والرد ؛ لأن ذلك خارج عن طبيعتها , ومكان مثل هذه الموضوعات الخلافية هو : محاضرة , أو درس بعد الصلاة ؛ حتى يتسع الوقت لمناقشتها ويتسع الصدر أيضاً .

انتظرونا فى المقال القادم مع تحياتى د / بدوى حسن

تعليقات