خطبة الوداع دروس ومبادئ
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ.
أما بعدُ:
خطبة الوداع ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحي مبشراً أنه "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً"
هذا هو نص الخطبة الوداع:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير.
أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.
وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم،أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد.
أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد.
أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب.
أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.
أهم الدروس والمبادئ التى أكد عليها النبى - صلى الله عليه وسلم -
اولاُ: حرص النبى - صلى الله عليه وسلم- على استغلال هذه اللحظات لبيان مبائ وثوابت الاسلام وهى بمثابت البيان الختامي لمنهج ورسالة الاسلام.
-أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلى لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا.
ثانيا : بيان حرمة الدماء والاموال والاعراض.
- أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد،
ثالثا: أهمية أداء الامانة.
- فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها.
رابعا: حرمة وخطر الربا.
- وإن ربا الجاهلية موضوع ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب.
خامسا :حرمة الثائر والاعتاء .
- وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.
سادسا : حرص النبى - صلى الله عليه وسلم- على أن يكون المثل والقدوة فبداء بنفسة وبأهله.
- وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب،
كان عامر بن ربيعة مسترضعا في بنى سعد فقتله بنو هذيل في الجاهلية فأبطل النبي صلى الله عليه وآله الطلب بدمه في الاسلام ولم يجعل لربيعة - أبيه - في ذلك تبعة. وإنما بدأ صلى الله عليه وآله بابطال الربا والدم من أهله وأقربائه ليعلم أنه ليس في الدين محاباة.
سابعا: تحريم افعال الجاهلية .
- وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية ، المآثر جمع المأثرة وهي الأثر والفعل والعمل المتوارثة السدانة الخدمة السادن بكسر الدال: خادم الكعبة. والسقاية: موضع السقي ، والجاهلية هي حالة الناس قبل الاسلام. وكانت أمة العرب في هذا العصر في حالة انحطاط وانحلال من حيث الديانة والمدنية والفضائل والأخلاق، فلم تكن لها ديانة حنيفية ولا وحدة قومية ولا رابطة وطنية ولا أصل من الأصول التي ترتكز عليها الفضائل الانسانية، يعبدون الأصنام ويسفكون الدماء ويأكلون الربا ويفعلون الفواحش ويقولون قول الزور ويأكل القوى الضعيف، فهي فوضى في العقائد، فوضى في الأخلاق، فوضى في المعاش. لا تدين غير الوثنية وكانت لكل قبيلة منهم آلهة خاصة، كانوا مغرمين بشرب الخمر وبلعب الميسر والتفاخر بالآباء وتزويج الرجل من النساء بقدر ما تسمح له وسائله المعيشية وتزويج نساء الأب. ودفن البنات حيا والمطالبة بالثار عندهم لا تقف عند حد حتى أن لم يظفر الرجل بغريمه انتقم من أحد أقربائه وربما يقنع بالدية للقتيل بمال كثير على قدر شرف المقتول وغير ذلك من المآثر السخيفة والعادات القبيحة.
ولما كانت مكة عاصمة بلاد العرب وكان بناء البيت فيها، كانت توليتها وأمر البيت تنقسم بالسدانة والحجابة والسقاية والرفادة والقيادة والندوة واللواء وغيرها ويتوارثون كابرا عن كابر ويفتخر الرجل بها ويقول: أنا أفضل لان حجابة البيت مثلا بيدي كما يفتخر بالحسب والنسب وبالمال وبكثرة الأولاد والعشيرة ويهتمون بها اهتماما عظيما حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله فأبطلها ومحاها.
ثامنا: القصاص والدية.
- والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
تاسعا: تحذير الأمة من مكائد الشيطان وعدم احتقار صغائر الذنوب .
- أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم.
عاشرا: بيان الأشهر الحرم وفضلها.
- أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق الله السماوات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أي تأخير حرمة شهر إلى آخر، وذلك أن العرب في الجاهلية كانوا إذا جاء شهر حرام وهم محاربون أحلوه، وحرموا مكانه شهرا آخر فيحلون المحرم، ويحرمون صفرًا، فإن احتاجوا أحلوه وحرموا ربيعًا الأول، وهكذا حتى استدار التحريم على الشهور السنة كلها، وكانوا يعتبرون في التحريم مجرد العدد لا خصوصية الأشهر المعلومة، وأول من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكناني، كان يقوم على جمل في الموسم فينادي: إن آلهتكم قد أحلت لكم المحرم فأحلوه، ثم ينادي في القبائل: إن آلهتكم قد حرمت عليكم المحرم، فحرموه. زيادة في الكفر، أي كفر آخر ضموه إلى كفرهم.
ليواطئوا: أي يوافقوا عدة الأشهر الأربعة المحرمة، وكانوا ربما زادوا في عدد الشهور بأن يجعلوها ثلاثة عشر أو أربعة عشر؛ ليتسع لهم الوقف، ويجعلوا أربعة أشهر من السنة حراما أيضا، ولذا نص على العدد المبين في الكتاب والسنة، وكان وقت حجهم يختلف من أجل ذلك، وكان في السنة التاسعة التى حج فيها أبو بكر بالناس في ذي القعدة، وفي حجة الوداع في ذي الحجة، وهو الذي كان على عهد إبراهيم الخليل ومن قبله من الأنبياء في تحريم الأشهر الحرام، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: "إن الزمان قد استدار ... إلخ" - راجع تفسير الألوسي ج٣ ص ٣٠٥.
إحد عشر: وصية النبى - صلى الله عليه وسلم- بالنساء .
- أما بعد أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق. لكم أن لا يواطئن فرشهم غيركم، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ولا يأتين بفاحشة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن انتهين وأطعنكم فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيراً – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد.
اثنا عشر: حرمة أكل أموال الناس بالباطل.
- أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
ثلاثة عشر: حرمة أعتداء المسلم على أخيه .
- فلا ترجعن بعدى كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت ... اللهم فاشهد.
اربعة عشر: أعلان المساواة بين الناس .
- أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى – ألا هل بلغت....اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب.
خمسة عشر: الميراث والوصية .
- أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث، والولد للفراش وللعاهر الحجر. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل. والسلام عليكم.