وقفات مع مناسك الحج
هناك حيث تلتقي الأمة ..
هناك حيث يلتقي الأبيض والأسود والعربي والأعجمي
هناك حيث تنتهي الحدود ، وتلتحم أعضاء الجسد الواحد
هناك حيث تختفي الخلافات المذهبية والحزبية
هناك حيث يطوف الطائفون ويسعى الساعون ويقف الواقفون صفا كأنهم بنيان مرصوص
هناك حيث يعلن الواقفون في عرفات براءتهم من كل أنواع الشرك ..واستجابتهم لله ولرسوله لما يحييها
هناك حيث يرجم الراجمون أبالسة الجن ومن يواليهم من أبالسة الإنس
هناك حيث تختفي الطبقيات ، فيقف الفقير والغني بلباس الإحرام فقراء إلى الله ..
هناك حيث يسعى الساعون في الصفا والمروة بين لطف الله وكرم الله
هناك حيث تبذل الأموال لنحر الأضاحي لإطعام الجائعين في كل العالم
هناك حيث يكون إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام بصدقهم ويقينهم وعزيمتهم
هناك حيث نزل القرآن على نبينا صلى الله عليه وسلم ، فانطلقت رسالته ، وتشكلت نواة الأمة ، وتأسست دولة النبوة ، وشعت أنوارها لتضيء العالم كله ...
هناك يتجسد المشهد المحيطي بأمواجه المتلاطمة من كل المسلمين من كل أنحاء الأرض ...
قال تعالى:
{وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ٢٧ *لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ* فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ ٢٨ ثُمَّ لۡيَقۡضُواْ تَفَثَهُمۡ وَلۡيُوفُواْ نُذُورَهُمۡ وَلۡيَطَّوَّفُواْ بِٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ ٢٩ ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡرٞ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ وَأُحِلَّتۡ لَكُمُ ٱلۡأَنۡعَٰمُ إِلَّا مَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱجۡتَنِبُواْ ٱلرِّجۡسَ مِنَ ٱلۡأَوۡثَٰنِ وَٱجۡتَنِبُواْ قَوۡلَ ٱلزُّورِ ٣٠}
اولا: وقفات مع الحج.
المسجد الحرام أول بيت بُني على اﻷرض، ﻷن مفتاح عمارة اﻷرض وحضارتها يبدأ من العبودية لله ،
وأبرز تجليات العبودية عمارة المساجد بشرا وحجرا (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة.. . ) آل عمران : 96 .
مناسك الحج مرتبطة بسيرة أبي اﻷنبياء إبراهيم عليه السلام الذي ترك موطنه الأصلي في العراق بعد صراع مع عباد الكواكب والاصنام، مهاجرا إلى بلاد الشام أرض الرباط الى قيام الساعة،
ثم متخليا عن الزوجة والولد بأرض غير ذات زرع عند بيت الله الحرام تنفيذا وانقيادا لأمر الله.
الحج مؤتمر عالمي تقيمه اﻷمة في كل موسم، حيث يتوجه اﻷلوف من أبنائها إلى تلك البقعة تلبية لنداء الله (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجاﻻ . . . ).
هذه الجموع بعمارتها البيت العتيق تجدد الوﻻء لرب ذلك البيت بقلوب خاشعة وعيون دامعة، ولسان حالها يقول جئناك يا رب من كل فج عميق ندين لك ونتخلى عن طواغيت اﻷرض وظالميها منطلقين إلى رحاب حكمك وشريعتك وعدالتك ﻷنك أهل لذاك.
ثانيا: الحج وفلسفة مناسكه.
الحج فهم وشوق
الفهم: أن يفهم الحاج موقع ركن الحج في الدين، حيث الحاج يتنزه عن الشهوات، ويكف عن الملذات، في رهبانية مؤقتة يدرك الحاج عبرها أن ﻻ وصول إلى الله إﻻ بالتنزه عن الملذات، واﻻقتصار على الضروريات، والتجرد لله في جميع الحركات والسكنات.
الشوق: الذي يدفع المسلم لرؤية البيت العتيق قاصدا رضى رب البيت، وكأنه يهيء نفسه للفوز برؤية الله يوم القيامة (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة).
الإحرام:
لباس الإحرام تذكير بالكفن، وضرورة الزهد، والمساواة بين الخلق.
وكما تكبيرة اﻻحرام تمنعك من الطعام والشراب وكلام الناس.
كذا إحرام الحج يحظر عليك الشهوة والزينة وقصّ الشعر والظفر.
الميقات:
إشارة لميقات القيامة، ودخول الحياة البرزخية، ثم اﻵخرة.
استلامُ الحجر الأسود:
بمثابة بيعة لله تعالى على السمع والطاعة.( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله....).
السعي:
فيه انتظار الملهوف لإجابة مطلبه، واستذكارٌ لتردد أحدنا بين كفتي الميزان يوم القيامة حتى يعرف مصيره.وإحياء لذكرى هاجر عليها السلام.
المبيت بمنى:
بمثابة مؤتمر عالمي يؤكد عالمية الدين ووحدة الأمة.
يوم عرفة:
ازدحام كثيف كزحام يوم القيامة ونفير مع الغروب كما تنفر الخلائق يوم القيامة كل يريد أن يعرف مصيره.
رمي الجمار:
قمة اﻻنقياد والعبودية لله وإن لم نفقه المعنى الحقيقي المراد، وادراكنا لرمزية هذا الفعل . واستذكار ﻻبراهيم وآله حيث رجموا الشيطان وخالفوه.
الحلق والتقصير:
فعل تنفيذا لامر الله، كما امتنعنا عن الحلق والقص انفاذا ﻷمره.
الطواف:
تعظيمٌ لبيت الله، وارتقاءٌ بالعبد إلى مصاف الملائكةِ الطوافينَ حول البيت المعمور في السماء السابعة. فيباهي الله بالحجيج أمام ملائكته.
الهدي:
يعلمنا تربية النفس على التضحية وبذل الدم في سبيل الله، خصوصاً في زمن الظلم وسلب الحريات وانتهاك المحرمات واحتلال المقدسات الذي نعيشه.
زيارة النبي:
حيث التحية وإلقاءُ السلام عليه ممزوجاً بالعمل وفق شريعته وسنته والمنافحة عن دينه. عدا عن استذكار تضحياته الجمة وأصحابه رضي الله عنهم حتى وصلنا هذا الدين.
هذا هو الحج ...وهذه رسالته العظمى ...