شرح متن الجزرية ( الدرس الأول - المقدمة)

 




بسم الله الرحمن الرحيم

قال ناظمها: رحمه الله تعالى :

بسم الله الرحمن الرحيم..هذه البسملة مِن مَن ؟ من ابن الجزري , لذلك الأخوات عندما يسمعن الجزرية أو الأخوة يقولون: يقول راجي عفو ...أقول لهم لا قل : بسم الله الرحمن الرحيم أولا فهذه البسملة لابن الجزري

(بسم الله): أي: أبدأ متبركاً ببسم الله، أو أبتدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء مستعيناً به جل وعلا في جميع أموري طالباً منه سبحانه وتعالى العون والتوفيق والسداد. (الرحمن): أي: ذو الرحمة الشاملة التي وسعت كل شيء وعمَّت المؤمن والكافر؛ وهذه الصفة لا يتصف بها غير الله تعالى. (الرحيم): أي: دائم الرحمة وهذه الرحمة خاصة بالمؤمنين. ويجوز أن يتصف بصفة الرحيم غير الله تبارك وتعالى، فقد وصف الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالرحيم، فقال تعالى: " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ " (التوبة:128).

وابتدأ -رحمه الله تعالى - بها أي بالبسملة وبالحمدلة -كما يأتي- التي ستأتي اقتداء بالكتاب العزيز هو القرآن لأن أول الكتاب العزيز كما تعلمن بدأ بالبسملة والحمدلة( بسم الله الرحمن الرحيم *الحمد لله رب العالمين ، هذه الطريقة من الكلام يسمها أهل اللغة العربية النحت يعني ينحتون من جملة كلمة فيقولون "بسمل فلان" يعني قال بسم الله الرحمن الرحيم , و"حمدل فلان" يعني قال الحمد لله رب العالمين , و"حوقل فلان" يعني قال: لا حولا ولا قوة إلا بالله العظيم , ويقولون "تعوذ فلان" يعني قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم , وهكذا أفعال كثيرة يشتقون العرب منها , ومن عادة العرب أن يفعلوا هذا فيشتقون من الجملة فعلا ويعنون بهذا الفعل مجيئ تلك الجملة بأكملها ، ، وعملا بخبر: خبر يعني حديث"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" فهو أقطع". وفي رواية "بالحمدُ الله" وليس بالحمدِ هذا يسمى مرفوع على الحكاية ، يعني فهو أقطع ، بالحمدُ لله كما قلنا مرفوع على الحكاية هذا أسلوب عربي معروف كما سيأتي معنا في قول ابن الجزري : وفخم اللام من اسم الله عن فتح او ضم كعبدُ الله ما قال كعبدِ الله ، رواه أبوداود، وغيره، وحسنه ابن الصلاح، وغيره, فلا تعارض بين الراويتين؛ ولا تعارض بين الروايتين ، لأن الرواية الأولى تقول لا يبدأ فيه (ببسم الله الرحمن الرحيم) والرواية الثانية تقول لا يبدأ فيه (بالحمد لله رب العالمين) فهل لقائل يقول: أن بين هاتين العبارتين أو بين هاتين الروايتين تعارضاً يقول شيخ الاسلام زكريا ولا تعارض بين الروايتين. لماذا ؟ 

قبل أن نقرأ ما هو في الكتاب , نقول : لما الانسان يريد أن يبدأ الكلام أول كلمة يقولها هي أول كلمة تلفظ بها على الحقيقة لكن ثاني جملة يقولها بالنسبة لعاشر جملة وبالنسبة لجملة رقم مئة تعتبر أول بالنسبة لها , إذا ابتدأ الكلام إما أن يكون ابتداء حقيقي : وهو أول كلام يتلفظ به المتكلم , 

وإما أن يكون ابتداء إضافي يعني هو ابتدأ ولكن بالنسبة الى ما بعده من الكلام . 

فقال شيخ الاسلام لأن الابتداء حقيقي وإضافي. فبالبسملة حصل الحقيقي.. وبالحمدلة حصل الإضافي. أي بالإضافة إلى غيرهما , ، لما قال الناظم بسم الله الرحمن الرحيم هل هذه البسملة هي أول شيء نطق به؟ نعم , طيب قوله الحمد لله رب العالمين هي من حيث الحقيقة ثاني جملة لكن بالنسبة للبيت رقم أربعة ورقم خمسة ورقم عشرين ورقم تسعين تعتبر قبله ,  لذلك هي ابتداء بالنسبة إلى تلك الأبيات ولكن ابتداء إضافي أي إضافة إلى تلك الأبيات يعني إذا قسناه إلى تلك الأبيات فهو ابتداء ،  وقدم البسملة.. عملا بالكتاب والإجماع. وقدم البسملة عمل بالكتاب والإجماع لماذا لم يقل ابن الجزري الحمد لله بعدين قال بسم الله الرحمن الرحيم ؟ لأن الكتاب بدأ بالبسملة وثنى بالحمدلة وهذا اجماع من الأمة لذلك قال عملاً بالكتاب والاجماع .

ثم قال رحمه الله: و"الله" هذه اللفظة الشريفة علم على الذات الواجب بعد كلمة الواجب أخرجن سم واكتبن الواجب الوجود.. المستحق لجميع المحامد. ، كلمة الله هذه اللفظة علم بمعني تطلق على الذات الإلهية الخالق لهذا الكون كله الله سبحانه وتعالى , وهو واجب الوجود بمعني: يستحيل بالعقل عدمه هذا الكلام من علم الكلام في علم الكلام يقولون : واجب الوجود ,وممكن الوجود ,ومستحيل الوجود , يقسمون الأشياء في علم الكلام أو علم المنطق بشكل عام إلى ثلاثة اشياء واجب الوجود وممكن الوجود ومستحيل الوجود .

 1/واجب الوجود يقولون هو: الذي يستحيل أن يتصور في العقل عدمه وهو الله سبحانه وتعالى لا ثاني له ،

2/ ممكن الوجود : هو الذي يتصور في العقل وجوده وعدمه , مثلا: هذا القلم ممكن يكون موجود وممكن يكون معدوم يتصور في العقل بـأن هذا القلم معدوم ويتصور في العقل بأن هذا القلم موجود يعني يتصور بالعقل وجوده وعدمه فهو ممكن الوجود ، 

3/ مستحيل الوجود : هو الذي لا يتصور في العقل وجوده , كأن يكون المكان الواحد مظلما ومنيرا بآن واحد هل يمكن أن يتصور هذا في العقل لا يمكن فهذا مستحيل ، أن يكون الواحد أكبر من الإثنين هل يمكن لإنسان مهما فكر وأمعن في التفكير أن يتصور الواحد أكبر من الاثنين ما يمكن , فهذا يسمى مستحيل الوجود يعني مستحيل عقلا .

و" الرحمن الرحيم" الان هو يشرح البسملة انتبهنا تكلم على لفظ الجلالة الآن يتكلم على الرحمن الرحيم والرحمن الرحيم وصفان، بنيا من الرحمة للمبالغة. رحمان على وزن فعلان ورحيم على زنة فعيل ، وصفان بنيا من الرحمة لماذا؟ للمبالغة , بدون مبالغة نقول راحم رحم يرحم على زنة فاعل لكن رحمن ورحيم وصفان بنيا من الرحمة للمبالغة يعني كثير الرحمة , رحم يرحم فهو راحم كم مرة ؟ مرة واحدة لكن إذا كان كثير الرحمة يقال رحمن ويقال رحيم ، لماذا قدم (لرحمن ) ؟ لأنه أبلغ مكتوب الأبلغ اكتبوا أبلغ بدون الألف واللام ، (بأن فيها زيادة المعني) واكتبن بدلا عنها : لأن الزيادة في البناء تدل على زيادة المعنى هذا أيضا تصحيح للمطبوع ، إذًا صارت العبارة بعد التعديل : وقدم (الرحمن)؛ لأنه أبلغ؛ لأن الزيادة في البناء تدل على زيادة المعنى. كما في "قَطَعَ" و"قَطَّعَ". قطع يعني مرة واحدة لكن قطّع تفيد التكثير ففيها زيادة حرف وهو الطاء بزيادة مبنى هذه الكلمة زاد معناها , لذلك القاعدة المشهورة في علم الصرف: زيادة المبني تدل على زيادة المعنى. (المبنى يعني عدد الحروف ).

ومن ثم أطلق جماعة يعني من العلماء "الرحمن" على مفيض جلائل النعم، و"الرحيم" على مفيض دقائقها 

باعتبار الرحمن فيها زيادة المبنى (رحمان) خمسة أحرف , (رحيم) أربعة أحرف , لذلك قالوا رحمن كأنها بمعنى الذي يفيض على عباده جلائل النعم , والرحيم هو الذي يفيض على عباده دقائق النعم ، طبعا نعم الله عز وجل كلها كبيرة وعظيمة ولكنها درجات ليست على درجة واحدة ، فنعمة الإيمان نعمة الإسلام نعمة أن خلقنا الله عز وجل من أبوين مسلمين نعمة أن جعلنا من أهل القرآن هذه من جلائل النعم ، طيب نعمة أن خلق لنا حاجبين نعمة أن خلق لنا الأظافر هذه نعمة ولكن من دقائق النعم ، هل تستوي نعمة الحاجبين مثلا مع نعمة الإيمان ما في مجال للمقارنات الإنسان يعيش بدون حاجبين لكن بدون إيمان لا قمة له ، لذلك قال شيخ الاسلام ومن ثم أطلق جماعة على الرحمن على مفيض جلائل النعم والرحيم على مفيض دقائقها.



1) يَقُولُ رَاجِي عَفْوِ رَبٍّ سَامِعِ     مُحَمَّدُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ الشَّافِعِي

(يَقُولُ رَاجِي عَفْوِ رَبٍّ سَامِعِ): أي: يقول مُؤمِّل عفو الله سبحانه وتعالى السميع المجيب، والعفو: هو ترك المؤاخذة على الذنب مع الصفح عنه، والعفو أعلى مرتبة من المغفرة كما بين أهل العلم ومنهم الإمام الغزالي، وقال الشيخ محمد منير الدمشقي في كتابه الإتحافات السنية بالأحاديث القدسية: " العفو في حق الله تعالى عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلية فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين، ولا يطالبه بها يوم القيامة، وينسيها من قلوبهم، لئلا يخجلوا عند تذكيرها، ويثبت مكان كل سيئة حسنة، والعفو أبلغ من المغفرة، لأن الغفران يشعر بالستر، والعفو يشعر بالمحو، والمحو أبلغ من الستر ".

(مُحَمَّدُ ابْنُ الْجَزَرِيِّ الشَّافِعِي): الإمام محمد بن الجزري رحمه الله تعالى وهو شافعي المذهب، ناظم متن الجزرية، وقد سبق الحديث عنه.


2) الْحَمْدُ للَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ      عَلَى نَبِيِّهِ وَمُصْطَفَاهُ

3) مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ     وَمُقْرِئِ الْقُرْآنِ مَعْ مُحِبِّهِ

(الْحَمْدُ للَّهِ): أي: الشكر خالصاً لله جل ثناؤه دون غيره، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها غيره أحد.

(وَصلّى اللَّهُ عَلى نبِيّهِ وَمُصْطَفَاهُ مُحَمَّدٍ): أي: طالباً من الله تعالى أن ينزل رحمته وثناءه وتعظيمه على نبيه المصطفى المختار محمد صلى الله عليه وسلم. 

ملاحظة: الصلاة من الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى الرحمة المقرونة بالتعظيم وقيل: الثَّناء عليه في الملإ الأعلى، ومن الملائكة بمعنى الاستغفار له صلى الله عليه وسلم، ومن العباد بمعنى: التضرُّع والدُّعاء له صلى الله عليه وسلم. 

 (وآله): اختلف العلماء في المقصود بآل محمد صلى الله عليه وسلم، فمنهم من ذهب إلى أنهم ذريته خاصة، ومنهم من قال هم ذريته وأزواجه، ومنهم من قال المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب، ومنهم من قال أنهم المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ بهذا القول ابن كثير رحمه الله، ومنهم من أطلق فقال: آل النبي صلى الله عليه وسلم هم جميع أمته، وأخذ بهذا القول الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم. 

(وَصَحْبِهِ): أي: الصحابة رضوان الله عليهم. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة: " الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام؛ فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى ".

(وَمُقْرِئِ الْقُرْآنِ): أي: من قرأ القرآن وتعلمه وعلمه (المُجاز بالقراءة والإقراء)، وكان دعاء الناظم لمقرئ القرآن لما له من فضل وخيرية، فعَنْ عُثْمَانَ بن عَفَّان رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " (رواه البخاري)، وقيل: معنى مقرئ القرآن أي: العامل به.

(مَعْ مُحِبِّهِ): أي: محب القرآن العظيم، وقيل: محب مقرئ القرآن، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود  رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: " الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ " (رواه البخاري ومسلم). 

وصلاة الناظم على آل النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه ومقرئ القرآن ومحبه هي بمعني الدعاء لهم.


4) وَبَعْدُ: إِنَّ هَذِهِ مُقَدِّمَهْ      فِيمَا عَلَى قَارِئِهِ أَنْ يَعْلَمَهْ

أي: وبعد ما تقدم من البسملة وحمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه ومقرئ القرآن العظيم ومحبه، فإن الإمام ابن الجزري كتب هذا النظم الذي يحتوى أحكام التجويد، كمقدمة لما يجب على كل قارئ للقرآن العظيم أن يعرفه ويعلمه.


5) إذْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمُ مُحَتَّمُ         قَبْلَ الشُّرُوعِ أَوَّلًا أَن يَعْلَمُوا

6) مَخَارِجَ الْحُرُوفِ وَالصِّفَاتِ     لِيَلْفِظُوا بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ

أي: ينبغي على قارئي القرآن العظيم قبل الشروع في تعلمه وتعليمه أن يعلموا مخارج الحروف وصفاتها -وسيلي تفصيل أحكامها-، وذلك حتى يلفظوا وينطقوا بأفصح اللغات وهي اللغة العربية لغة القرآن الكريم، أي: حتى يقرؤوا القرآن على أتم وجه وأفضل حال.


7) مُحَرِّرِي التَّجْوِيدِ وَالمَوَاقِفِ وَمَا الَّذِي رُسِمَ فِي المَصَاحِفِ

8) مِنْ كُلِّ مَقْطُوعٍ وَمَوْصُولٍ بِهَا وَتَاءِ أُنْثَى لَمْ تَكُنْ تُكْتَبْ بِ: هَا

أي: يجب على قارئي القرآن العظيم أن يعلموا مخارج الحروف وصفاتها حال كونهم متقني ومحققي علم التجويد، وعالمين بمواضع الوقف والابتداء، وما كتب في المصاحف العثمانية (الرسم العثماني) من أحكام المقطوع والموصول مثل: (إن ما، إنما)، و(أين ما، أينما)، وأحكام تاء التأنيث التي لم تكتب بالهاء بل كتبت بالتاء المفتوحة مثل: (رحمت، نعمت، كلمت).





تعليقات