بَابُ
مَخارج الحروف
المخارج جمع مخرج، والمخرج: هو محل خروج
الحرف الذي ينقطع عنده صوت النطق به فيتميز عن غيره من الحروف.
والحروف جمع حرف، والحرف: هو صوت معتمد على
مخرج محقق أو مقدر. والمخرج المحقق: هو ما اعتمد على جزء معين من أجزاء الفم
كالحلق أو اللسان أو الشفتين، والمخرج المقدر: هو الذي لا يعتمد على جزء معين من
أجزاء الفم كحروف الجوف والغنة.
9)
مَخَارِجُ الحُرُوفِ سَبْعَةَ عَشَرْ عَلَى الَّذِي يَخْتَارُهُ مَنِ اخْتَبَرْ
يبين الناظم هنا أن مخارج الحروف سبعة عشر
مخرجاً على حسب اختيار من اختبر ذلك من أهل العلم والمعرفة، والاختبار يكون لمعرفة
مخرج الحرف، فيُنطق به ساكناً أو مشدداً بعد همزة مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة، ويُصغى
للحرف، فحيث انقطع صوت النطق به فهو مخرجه.
والقائلين بأن المخارج سبعة عشر مخرجاً هم:
الخليل بن أحمد الفراهيدي ومكي بن أبي طالب وتبعهم الإمام ابن الجزري. وهذه
المخارج السبعة عشر هي المخارج الخاصة لخمسة مخارج عامة، وهي:
1- الجوف: ويشتمل على مخرج واحد خاص.
2- الحلق: ويشتمل على ثلاثة مخارج خاصة.
3- اللسان: ويشتمل على عشرة مخارج خاصة.
4- الشفتان: ويشتمل على مخرجين خاصين.
5- الخيشوم: ويشتمل على مخرج واحد خاص.
ملاحظة: ذهب سيبويه وتبعه الإمام الشاطبي إلى أن
المخارج ستة عشر مخرجاً، بحيث أسقطوا الجوف من المخارج العامة والخاصة ووزعوا
الحروف التي تخرج منه على مخارج أخرى، فألحقوا الألف المدية بأقصى الحلق، والياء
المدية بوسط اللسان، والواو المدية بالشفتين.
وذهب الفراء والجرمي وقطرب وابن كيسان إلى
أن المخارج أربعة عشر مخرجاً، بحيث أسقطوا الجوف من المخارج العامة والخاصة كالرأي
السابق، وكذلك جعلوا مخارج اللسان الخاصة ثمانية، حيث دمجوا اللام والنون والراء
في مخرج واحد مع أنه بحسب الرأيين السابقين لكل منها مخرج.
10) فَأَلِـفُ الجَـوْفِ وأُخْتَاهَا وَهِي حُرُوفُ مَدٍّ للهَوَاءِ تَنْتَهِي
(لِلْجَوْفِ أَلِفٌ): الجوف أول المخارج
العامة، وهو الخلاء الواقع في الفم والحلق، وله مخرج واحد من المخارج الخاصة. وحروف
الجوف ثلاثة، أولها: الألف الساكنة التي ما قبلها مفتوح، مثل: (قال، يخاف).
(وأُخْتَاهَا وَهِي
حُرُوفُ مَدٍّ): أي: أختا حرف الألف، وهما حرفي: الواو الساكنة
التي ما قبلها مضموم مثل: (يقول، المؤمنون)، والياء الساكنة التي ما قبلها مكسور
مثل: (قيل، المؤمنين)، وحروف الجوف مجموعة في كلمة (نوحيها) أو (أوتينا) أو
(أوذينا)، وهذه الحروف الثلاثة تسمى بالحروف الجوفية؛ لخروجها من الجوف. وتسمى كذلك بحروف المد؛ وذلك
لامتداد الصوت معها عند النطق بها.
(للهَوَاءِ تَنْتَهِي):
أي: إن حروف الجوف ليس لها حيّز تنتهي
إليه، فخرجها مقدر وليس محقق، فينتهي النطق بها بانتهاء الهواء الخارج من الفم؛
ولذا تسمى حروف الجوف بالحروف الهوائية.
11)
ثُمَّ لأَقْصَى الحَلْقِ هَمْزٌ هَاءُ وَمِنْ وَسَطِهِ فَعَيْنٌ حَاءُ
الحلق ثاني المخارج العامة، وهو الفراغ الواقع بين الحنجرة وأقصى اللِّسان. وله ثلاثة مخارج خاصة. أولها: أقصى الحلق: أي آخره مما يلي الصدر، وتخرج منه الهمزة والهاء. ثانيهما: وسط الحلق: وتخرج منه العين والحاء.
12)
أَدْنَاهُ غَيْنٌ خَاؤُهَا والْقَافُ أَقْصَى اللِّسَانِ فَوْقُ ثُمَّ الْكَافُ
13)
أَسْفَلُ وَالْوَسْطُ فَجِيمُ الشِّينُ يَا وَالضَّادُ مِنْ حَافَتِهِ إِذْ وَلِيَا
14) لاضْرَاسَ مِنْ أَيْسَرَ أَوْ يُمْنَاهَا
وَاللَّامُ أَدْنَاهَا لِمُنْتَهَاهَا
(أَدْنَاهُ غَيْنٌ خَاؤُهَا): ثالث مخارج الحلق الخاصة، هو أدنى الحلق: وهو أقرب الحلق مما يلي الفم، وتخرج منه الغين والخاء. وحروف الحلق مجموعة في أول حرف من كل كلمة من الكلمات التالية: (أخي هاك علم حازه غير خاسر). وحروف الحلق تسمي بالحروف الحلقية؛ لخروجها من الحلق.
(والْقَافُ
أَقْصَى اللِّسَانِ فَوْقُ): اللسان ثالث المخارج العامة، وله عشرة مخارج خاصة، أولها مخرج حرف القاف،
ويخرج من أقصى اللسان من فوق مما يلي الحلق مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى. والحنك
الأعلى: هو باطن الفك العلوي من داخل الفم، وله طرفان أمامي وخلفي، والأمامي هو
الذي يحاذي طرف اللسان وفيه صلابة، ويسمى بغار الحنك، والطرف الخلفي هو المحاذي
لأقصى اللسان وفيه رخاوة.
(ثُمَّ الْكَافُ
أَسْفَلُ): ثاني مخارج
اللسان الخاصة مخرج حرف الكاف، ويخرج من أقصى اللسان مع ما يحاذيه من الحنك الأعلى
أسفل مخرج القاف.
ويسمى حرفي القاف والكاف بالحروف اللَهَوية؛
وذلك لخروجه من قرب اللهاة، وهي اللحمة التي في آخر الحنك الأعلى وبداية الحلق.
(وَالْوَسْطُ فَجِيمُ الشِّينُ يَا):
ثالث مخارج اللسان الخاصة مخرج الجيم
والشين والياء غير المدية، وتخرج هذه الحروف من وسط اللسان مع ما يحاذيها من الحنك
الأعلى. وتسمى هذه الحروف بالحروف الشَجْرية؛ وذلك لخروجها من شَجْر الفم، وهو
منفتح ما بين اللحيين.
(وَالضَّادُ مِنْ حَافَتِهِ إِذْ وَلِيَا
لاضْرَاسَ مِنْ أَيْسَرَ أَوْ يُمْنَاهَا): رابع مخارج اللسان الخاصة مخرج الضاد،
ويخرج من إحدى حافتي اللسان –اليسرى أو اليمنى- مع ما يليها من الأضراس العليا، وخروجه
من الحافة اليسرى أسهل وأكثر استعمالاً من الحافة اليمنى، ويمكن خروجه من الحافتين
معاً لكنه أصعب وأقل استعمالاً. وعدّ الخليل بن أحمد الفراهيدي الضاد من الحروف
الشَجْرية.
فائدة:
يبلغ عدد الأسنان في فم أكثر الأشخاص عند
اكتمال نموهم اثنان وثلاثون سنّاً، مقسّمة كما يلي:
1- الثنايا: وهي الأسنان الأربعة في مقدّمة الفم،
ثنيتان في الفك الأعلى وثنيان في الفك الأسفل، وهي تقع في مقدّمة الفم أمام
الشفتين.
2-الرباعيات: وهي أربعة تقع على جانبي الثنايا،
اثنتان منها في الفك الأعلى واثنتان في الفك الأسفل.
3-لأنياب: وهي أربعة تقع خلف الرباعيات، اثنتان
منها في الفك الأعلى واثنتان في الفك الأسفل، وهي عميقة الجذور ذات رأس حاد.
4- الأضراس: وعددها عشرون، عشرة منها في الفك العلوي
والعشرة الأخرى في الفك السفلي، وتقع على جانبي الفكّين بالتساوي وتقسم هذه إلى
ثلاثة أنواع:
أ- الضواحك: وعددها أربعة، تقع على جانبي الأنياب،
اثنان منها في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل، وسمّيت بالضواحك لأنّها تظهر
عند التبسّم.
ب- الطواحين: وعددها اثنتا عشرة ضرساً، يقع وراء كل
ضاحك ثلاثة طواحين، أي ستة في الفك العلوي وستة في الفك السفلي.
ت- النواجذ: وعددها أربعة، وهي تلي الطواحين وتقع
آخر الفم، اثنان في الفك الأعلى واثنان في الفك الأسفل، ولا دور لها في أداء
الحروف.
(وَاللَّامُ أَدْنَاهَا لِمُنْتَهَاهَا):
خامس مخارج اللسان الخاصة مخرج اللام،
ويخرج من أدنى حافتي اللسان مع ما يحاذيها من لثة الأسنان العليا ، ويمكن
خروجه من إحدى حافتي اللسان اليمنى أو اليسرى، وخروجه من اليمنى أسهل وأكثر استعمالاً.
15) وَالنُّونُ مِنْ طَرَفِهِ تَحْتُ اجْعَلُوا
وَالرَّا يُدَانِيهِ لِظَهْرٍ أَدْخَلُ
(وَالنُّونُ مِنْ طَرَفِهِ تَحْتُ اجْعَلُوا):
سادس مخارج اللسان الخاصة مخرج النون،
ويخرج من طرف اللسان مع ما يحاذيها من لثة الثنايا العليا. وقوله: (تَحْتُ اجْعَلُوا):
أي اجعلوها يا قارئي القرآن تحت مخرج اللام.
(وَالرَّا يُدَانِيهِ لِظَهْرٍ أَدْخَلُ):
يقصد الناظم هنا أن مخرج حرف الراء يقرب من
مخرج حرف النون، ولكنه أَدْخَل إلى ظهر اللسان قليلاً.
ومخرج حرف الراء سابع مخارج اللسان الخاصة،
ويخرج من طرف اللسان وظهره مع لثة الثنايا العليا تحت مخرج النون. وتسمى حروف
اللام والنون والراء بالحروف الذَلْقية؛ لخروجها من ذَلْق اللسان، أي طرفه.
16)
وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَتَا مِنْهُ وَمِنْ عُلْيَا الثَّنَايَا والصَّفِيْرُ
مُسْتَكِنّ
17) مِنْهُ وَمِنْ فَوْقِ الثَّنَايَا السُّفْلَى
وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَثَا لِلْعُلْيَا
18)
مِنْ طَرَفَيْهِمَا وَمِنْ بَطْنِ الشَّفَهْ فَالْفَا مَعَ اطْرافِ الثَّنَايَا المُشْرِفَهْ
(وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَتَا مِنْهُ وَمِنْ
عُلْيَا الثَّنَايَا): ثامن مخارج اللسان الخاصة مخرج حروف الطاء والدال والتاء، وتخرج من ظهر طرف
اللسان مع ما يليها من
أصول الثنايا العليا. وتسمى هذه الحروف بالحروف النَطْعية؛ لخروجها من قرب نَطْع
الفم وهو الجزء الأمامي من الحنك الأعلى.
(والصَّفِيْرُ مُسْتَكِنّ
مِنْهُ وَمِنْ فَوْقِ الثَّنَايَا السُّفْلَى): ويقصد الناظم هنا أن
الحروف التي من صفاتها الصفير وهي: (الصاد والزاي والسين) مستقر خروجها من طرف
اللسان ومن فوق الثنايا السفلى.
ومخرج حروف الصفير تاسع مخارج اللسان
الخاصة، وتخرج هذه الحروف من طرف اللسان مع ما بين الثنايا العليا والسفلى أقرب
إلى السفلى. وتسمى هذه الحروف الثلاثة بالحروف الأَسَلِيَّة؛ لخروجها من أَسَلة
اللسان وهو طرفه أو مستدقه.
(وَالظَّاءُ وَالذَّالُ وَثَا لِلْعُلْيَا
مِنْ طَرَفَيْهِمَا): عاشر مخارج اللسان الخاصة مخرج حروف الظاء والذال
والثاء، وتخرج من ظهر طرف اللسان مع ما يليها من أطراف الثنايا العليا. وتسمى
هذه الحروف بالحروف اللَّثَوية؛ لخروجها من قرب اللثة العليا، واللثة هي اللحم النابت
حول الأسنان.
(وَمِنْ بَطْنِ الشَّفَهْ
فَالْفَا مَعَ اطْرافِ الثَّنَايَا المُشْرِفَهْ): الشفتان رابع المخارج العامة، وله مخرجين
خاصين، أولهما: مخرج حرف الفاء، ويخرج من بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا
العليا. فقول الناظم: (الثَّنَايَا المُشْرِفَهْ): أي الثنايا العليا.
19) لِلشَّفَتَيْنِ الْوَاوُ بَاءٌ مِيْمُ
وَغُنَّةٌ مَخْرَجُهَا الخَيْشُومُ
(لِلشَّفَتَيْنِ الْوَاوُ بَاءٌ مِيْمُ):
ثاني مخرجي الشفتين مخرج حروف (الباء والميم والواو غير المدية)، وتخرج هذه الحروف
من الشفتين معاً، فتخرج الباء والميم من الشفتين مع انطباقهما، والواو غير المدية
من الشفتين مع انضمامهما. وتسمى هذه الحروف الثلاثة بالحروف الشَّفَوية أو
الشفهية؛ لخروجها من الشفتين.
فائدة: ألقاب الحروف هي عشرة ألقاب، لقبها بها إمامُ النحاة:
الخليل بن أحمد الفراهيدي -شيخ سيبويه-، وأخذ هذه الألقاب من أسماء المواضع التي
تخرج منها الحروف ونسب كل حرف إلى مكان خروجه، وذكرنا هذه الألقاب عند شرحنا لمخارج
الحروف سابقاً، وهذه الألقاب هي: (جوفية، هوائية، حلقية، لهوية، شجرية، نطعية،
لثوية، أسلية، ذلقية أو ذولقية، شفوية أو شفهية).
(وَغُنَّةٌ مَخْرَجُهَا الخَيْشُومُ):
الخيشوم خامس المخارج العامة، وله مخرج خاص
واحد، وهو الغنة، وتعرف الغنة بأنها: هي صوت أغن أو أرن (ذو رنين) مركب في جسمي
النون والميم، يخرج من الخيشوم (أعلى الأنف وأقصاه من الداخل)، لا عمل للسان فيه. ومقدارها حركتان فقط، والمقصود
بالحركتين: الزمن اللازم لنطق حرفين متتاليين متحركين، وقيل المراد بالحركة هنا هو
ما يساوي الزمن الذي يستغرقه قبض الإصبع أو بسطه بحالة متوسطة ليست سريعة ولا
بطيئة.