18) وَالْمِيمُ إِنْ تَسْكُنْ تَجِي قَبْـلَ الْهِجَـا = لَا أَلِـفٍ لَيِّنَـةٍ لِــذِي الْـحِـجَــا
(وَالْمِيمُ إِنْ تَسْكُنْ): أي: الميم الساكنة، وهي ميم خالية من
الحركة سكونها ثابت وصلاً ووقفاً، وتقع متوسطة ومتطرفة، في الاسم أو الفعل أو
الحرف، مثل: (الحمْد، أنعمْت، أمْ حسبتم، لكمْ ما). (تَجِي قَبْـلَ الْهِجَـا
لَا أَلِـفٍ لَيِّنَـةٍ): أي: إن الميم الساكنة تقع قبل حروف
الهجاء غير الألف اللينة (ألف المد)؛ لأنه لا يسبقه إلا مفتوحاً.
وكذلك لا تقع الميم الساكنة قبل (ياء المد) لأنه لا
يسبقها إلا مكسوراً، ولا تقع قبل (واو المد) لأنه لا يسبقها إلا مضموماً، ومعنى
ذلك لا يمكن أن تقع الميم الساكنة قبل أحد حروف المد الثلاثة.
(لِــذِي الْـحِـجَــا): أي: لصاحب العقل
والفطنة، وذكرها تكملة للبيت.
19) أَحْكَامُهَـا ثَلاَثَـةٌ لِـمَـنْ ضَـبَـطْ = إِخْفَـاءٌ ادْغَـامٌ وَإِظْهَـارٌ فَــقَــطْ
أي: إن أحكام الميم الساكنة ثلاثة فقط: الإخفاء والإدغام والإظهار. وقوله (لمن ضبط): أي لمن حفظ وأتقن.
20)
فَـالأَوَّلُ الإِخْفَـاءُ عِـنْـدَ الْـبَـاءِ = وَسَـمِّــهِ الشَّـفْــوِيَّ لِـلْــقُــرَّاءِ
(فَـالأَوَّلُ الإِخْفَـاءُ عِـنْـدَ الْـبَـاءِ ): أي: إن الحكم الأول من أحكام الميم الساكنة
هو (الإخفاء)، ويكون عند حرف الباء، وعليه إذا جاء بعد الميم الساكنة حرف الباء
أخفيت الميم بغنة، ولا يكون ذلك إلا في كلمتين، وذلك نحو (فاحكم بينهم) و(أم
بظاهر) و(يعتصم بالله) و(هم بالآخرة).
الأصل أن تكون كلمة الشفوي بفتح الفاء، ولكن للضرورة الشعرية
سَكَنَّها الناظم "الشفْوي". قال الشيخ الجمزوري رحمه الله في كتابه فتح
الأقفال بشرح تحفة الأطفال: "والشفْوي
في النظم بسكون
الفاء للضرورة".
ومثل ذلك كلمة (شَـفْـوِيَّـهْ) في البيت الثاني والعشرين، وكذلك كلمتي (قَمْـرِيَّـهْ) و(شَمْسِيَّـهْ) في
البيت الثامن والعشرين بسكون الميم للضرورة الشعرية.
(وَسَـمِّــهِ الشَّـفْــوِيَّ لِـلْــقُــرَّاءِ): أي: وسمِّ هذا الإخفاء كما يسمى عند القراء
بـ(الإخفاء الشفوي)؛ وذلك لخروج الميم والباء من الشفتين.
ملاحظة: سبب الإخفاء الشفوي: التجانس بين الميم
والباء، فهما متحدان في المخرج مشتركان في أكثر الصفات.
21)
وَالثَّـانِ إِدْغَـامٌ بِمِثْلِـهَـا أَتَــى = وَسَمِّهِ ادْغَـامًـا صَغِـيـرًا يَـا فَـتَـى
(وَالثَّـانِ إِدْغَـامٌ): أي: إن الحكم الثاني من أحكام الميم
الساكنة هو (الإدغام).
(بِمِثْلِـهَـا أَتَــى): أي: يكون الإدغام إذا أتي بعد الميم
الساكنة مثلها أي ميماً أخرى وتكون متحركة، نحو (لكم ما) و(كنتم مؤمنين) و(أم من)،
وعليه إذا وقع بعد الميم الساكنة ميماً متحركة وجب الإدغام بغنة مقدارها حركتان،
فينطق بالميم الثانية مشددة.
(وَسَمِّهِ ادْغَـامًـا صَغِـيـرًا): أي: سمِّ هذا الإدغام بـ(الإدغام الصغير)،
وسُمي بذلك لكون الحرف الأول ساكن والثاني متحرك.
ملاحظة: سبب الإدغام هنا التماثل بين الميم والميم؛
ولذا يسمى (إدغام مثلين أو متماثلين)، ويسمى أيضاً (إدغاماً شفوياً)؛ لخروج الميم
من الشفتين.
(يا فتى): أي: من يحصل منه الاجتهاد في التعلم،
وذكرها تكملة للبيت
الفتى في الأصل
الشاب، ويطلق على الشخص من بلوغه سن الخامسة عشر حتى بلوغه سن الثلاثين. ومن دون
سن الخامسة عشر يطلق عليه "صبي أو صغير أو طفل"، ومن فوق سن الثلاثين
حتى الأربعين يطلق عليه "كهل"، ومن فوق سن الأربعين يطلق عليه
"شيخ".
فائدة: من الممكن أن يأتي حكم الإدغام الشفوي في
حروف فواتح السور إن جاءت الميم ساكنة وبعدها ميم متحركة، مثل: (الم) فتُقرأ (ألف
لام ميم)، وعليه تدغم ميم (لام) بميم (ميم)، فيكون الحكم إدغام شفوي أو إدغام
مثلين (متماثلين) صغير.
22)
وَالثَّالِـثُ الإِظْهَـارُ فِـي الْبَقِـيَّـهْ = مِـنْ أَحْـرُفٍ وَسَمِّهَـا شَـفْـوِيَّـهْ
(وَالثَّالِـثُ الإِظْهَـارُ): أي: القسم الثالث من أحكام الميم الساكنة هو
(الإظهار).
(فِـي الْبَقِـيَّـهْ مِـنْ أَحْـرُفٍ): أي: إن حروف الإظهار هي البقية من الحروف
بعد أن نخرج حرفي الإخفاء والإدغام (الباء والميم)، وعليه حروف الإظهار ستة وعشرون
حرفاً، إذا جاء أي منها بعد الميم الساكنة كان الحكم الإظهار، وسبب إظهار الميم
الساكنة هنا؛ بعد مخرجها وصفاتها عن مخارج وصفات أكثر حروف الإظهار. ومن أمثلة
الإظهار الشفوي الكثيرة: (يمْترون)، (الظمْآن)، (كنتمْ صادقين)، (وامْضوا)، (أمْ
خلقوا)، (همْ فيها)، (عليهمْ ولا).
(وَسَمِّهَـا شَـفْـوِيَّـهْ): أي: يسمى هذا الإظهار شفوياً؛ لأن الميم
وهي الحرف المُظْهَر تخرج من الشفتين. ولا يقصد هنا أن حروف الإظهار كلها شفوية؛
لأنها لم تنحصرْ في مخرجٍ مُعيَّن حتى ينسب الإظهار إليها؛ فبعضها يخرج من الحلق،
وبعضها من اللسان، وبعضها من الشفتين،
والحروف الشفوية أو الشفهية: هي الحروف التي تخرج من الشفتين وهي
أربعة فقط: (الميم والباء والفاء والواو غير المدية).
ومن أجل هذا نُسب الإظهار إلى مخرج الحرف المظهر (الميم الساكنة)؛ لانحصاره
في مخرج معين وهو الشفتان، وهذا بخِلاف الإظهار الحلقي؛ فإنَّه نُسِبَ إلى مخرج
الحروف التي تُظهَرُ عندها النون والتنوين؛ نَظَرًا لانحِصارها في مخرجٍ واحدٍ وهو
الحلق.
23)
وَاحْذَرْ لَدَى وَاوٍ وَفَـا أَنْ تَخْتَفِـي = لِقُـرْبِـهَـا وَالاتِّـحَـادِ فَـاعْـرِفِ
أي: احذر أيها القارئ من إخفاء الميم الساكنة قبل الفاء بسبب قربهما في
المخرج مثل (همْ فيها)، واحذر كذلك إخفاء الميم الساكنة قبل الواو بسبب اتحادهما
في المخرج مثل: (حسابهمْ وهم) و(عليهمْ ولا). وقوله (فاعرف): أي: اعرف ذلك أيها القارئ واجتنبه.
قال الشيخ الجمزوري رحمه الله في كتابه فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال:
"ويصح تنوين "وَفَا" في النظم مقصوراً للضرورة، وعدمه إجراء للوصل
مجرى الوقف".