بسم الله الرحمن الرحيم
(بسم الله): أي أبدأ متبركاً ببسم
الله، أو أبتدأ بتسمية الله وذكره قبل كل شيء مستعيناً به جل وعلا في جميع أموري
طالباً منه سبحانه وتعالى العون والتوفيق والسداد. (الرحمن):
أي ذو الرحمة الشاملة التي وسعت كل شيء وعمَّت المؤمن والكافر؛ وهذه الصفة
لا يتصف بها غير الله تعالى. (الرحيم): أي
دائم الرحمة وهذه الرحمة خاصة بالمؤمنين. ويجوز أن يتصف بصفة الرحيم غير الله
تبارك وتعالى، فقد وصف الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالرحيم، فقال تعالى: " لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ
رَحِيمٌ " (التوبة:128).
ملاحظة: تخلو كثيرٌ من
النسخ المطبوعة لتحفة الأطفال من ذكر البسملة ابتداءً، إلا أنها جزء من هذا النظم،
وما يؤكد ذلك:
1-
ما قاله الناظم
الشيخ الجمزوري رحمه الله في كتابه فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال: "أنظم
الأشياء التالية متبركاً ببسم الله الرحمن الرحيم، وابتدأت بالبسملة والحمدلة كما
يأتي، اقتداءً بالكتاب العزيز، وعملاً بالأحاديث الواردة، ولا يخفى ما في البسملة
والحمدلة مما لا نطيل بذكره اقتصاراً على ما ذكره في الأصل -أي الشيخ محمد الميهي
ولد شيخه في كتابه فتح الملك المتعال في شرح تحفة الأطفال-".
2-
ما قاله الشيخ
محمد الميهي رحمه الله في كتابه فتح الملك المتعال في شرح تحفة الأطفال: "قال
النَّاظم حفظه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم". وإثبات الشيخ محمد الميهي
البسملة على أنها من قول الناظم، لدليل قوي على أنها منها لسببين: الأول: أنه ابن
شيخ الناظم الجمزوري ومن معاصريه في زمانه، والثاني: أن الشيخ الجمزوري نفسه اعتمد
على شرح الشيخ محمد الميهي عندما كتب كتابه فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال بل
وأحال إليه فيما لم يذكره في شرحه.
1) يَقُـولُ رَاجِـي رَحْمَـةِ الْغَـفُـورِ = دَوْمًـا سُلَيْمَـانُ هُـوَ الجَمْـزُورِي
(يَقُـولُ رَاجِـي رَحْمَـةِ الْغَـفُـورِ دَوْمًـا):
أي: يقول مُؤمِّل رحمة الله تعالى الغفور الرحيم
الذي يستر عباده المذنبين ويغفر الذنب ويقبل التوب دوماً وأبداً.
(سُلَيْمَـانُ هُـوَ الجَمْـزُورِي): الشيخ سليمان
الجمزوري رحمه الله تعالى، ناظم تحفة الأطفال، وقد سبق الحديث عنه.
2) الْحَمْـدُ للَّهِ مُـصَلِّـيًـا عَــلَــى = مُـحَـمَّــدٍ وَآلِـــهِ وَمَــنْ تَــــلاَ
(الْحَمْـدُ للَّهِ):
أي: الشكر خالصاً لله جل ثناؤه
دون غيره، بما أنعم على عباده من النعم التي لا يحصيها العدد، ولا يحيط بعددها
غيره أحد.
(مُصَلِّيًا عَلَى مُحَمَّدٍ):
أي: طالباً من الله
تعالى أن ينزل رحمته وثناءه وتعظيمه على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ملاحظة: الصلاة من الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى
الرحمة المقرونة بالتعظيم وقيل الثَّناء عليه في الملإ الأعلى، ومن الملائكة بمعنى
الاستغفار له صلى الله عليه وسلم ،
ومن العباد بمعنى: التضرُّع والدُّعاء له صلى الله عليه وسلم.
(وآله): اختلف العلماء في المقصود بآل محمد صلى الله عليه وسلم ، فمنهم
من ذهب إلى أنهم ذريته خاصة، ومنهم من قال هم ذريته وأزواجه، ومنهم من قال المؤمنون
من بني هاشم وبني المطلب، ومنهم من قال أنهم المؤمنون من بني هاشم وبني المطلب
وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ بهذا القول ابن كثير رحمه الله، ومنهم من
أطلق فقال: آل النبي صلى الله عليه وسلم هم جميع أمته، وأخذ بهذا القول الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم. وبالرجوع إلى كتاب الناظم رحمه
الله "فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال" يظهر أنه قصد هنا: الذين ءامنوا
به صلى الله عليه
وسلم فيعم صحابته الأخيار.
(ومن تلا): أي: ومن تبع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
(التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين).
3) وَبَعْـدُ هَــذَا النَّـظْـمُ لِلْمُرِيـدِ
= فِـي النُّـونِ والتَّنْوِيـنِ وَالـمُـدُودِ
(وَبَعْـدُ هَــذَا النَّـظْـمُ لِلْمُرِيـدِ): أي: وبعد ما تقدم
من حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعهم
بإحسان إلى يوم الدين، فإن الشيخ الجمزوري كتب هذا النظم –أي متن تحفة الأطفال-
فكلمة النظم في اللغة تأتي بمعنى الأبيات الشعرية، (للمريد): أي الطالب لعلم
التجويد.
(فِـي النُّـونِ والتَّنْوِيـنِ وَالـمُـدُودِ):
أي: يتناول هذا النظم أحكام النون الساكنة والتنوين والمدود. ومن
الجدير بالذكر أن الناظم ذكر هنا بعض أحكام التجويد التي تناولها في نظمه؛ مراعاة
لطبيعة النظم الشعري الذي يمتاز بالإيجاز والاختصار. وبالإضافة لما ذكره الناظم في
هذا البيت، فقد احتوى النظم على أحكام الميم والنون المشددتين وأحكام الميم
الساكنة وأحكام المتماثلين والمتجانسين والمتقاربين وأحكام لام التعريف ولام
الفعل.
4) سَمَّـيْـتُـهُ بِتُحْـفَـةِ
الأَطْـفَـالِ = عَنْ شَيْخِنَـا المَيْهِـيِّ ذِي الْكَمَـالِ
(سَمَّـيْـتُـهُ بِتُحْـفَـةِ الأَطْـفَـالِ): سمى الشيخ الجمزوري رحمه الله هذا النظم
التي تناول فيها بعض أحكام التجويد بتحفة الأطفال، والتحفة:
الشي الحسن، وقصد الشيخ بـ (الأطفال) هنا: الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، أو المبتدئون
في علم التجويد مهما كان سنهم.
لطيفة: يُذكر هنا أن الشيخ الجمزوري رحمه الله عندما شرح معنى (تحفة الأطفال) في كتابه
فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال، قال الأطفال: "المراد مثلي في هذا الفن"
يقصد المبتدئين في علم التجويد، وهذا يبين درجة تواضعه رحمه الله تعالى.
(عَنْ شَيْخِنَـا المَيْهِـيِّ ذِي الْكَمَـالِ): أي: إن الشيخ الجمزوري رحمه الله أخذ علم
التجويد الذي ذكره في نظمه أو أخذ اسم النظم (تحفة الأطفال) أو كليهما، عن
شيخه/نور الدين الميهي رحمه الله، وقد سبق الحديث عنه.
(ذِي الْكَمَـالِ): أي: صاحب الكمال، والكمال قد يكون مطلقاً
أو نسبياً، والكمال المطلق لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، فهو لا إله إلا هو، ليس
كمثله شيء وهو السميع البصير، أما الكمال النسبي فيمكن إطلاقه على البشر، وبالرجوع
إلى كتاب الناظم رحمه الله "فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال" يظهر لنا
أنه فسر معنى (ذي الكمال) بأنه: "التمام في الذات والصفات وسائر الأحوال
الظاهرة و الباطنة فيما يرجع للخالق والمخلوق"، وهذا فيه مبالغة ومغالاة،
وإنما كان ينبغي أن يفسره على أنه الكمال البشري النسبي.
ملاحظة: يُذكر أن بعض محققي النظم من أهل العلم
عدَّل قول الناظم من "ذي الكمال" إلى "ذي الجمال"، والأَولى
أن نقرأها كما نُقلت عن الناظم، ولكن نحملُها على مراد الكمال البشري النسبي في عبادة الخالق ومعاملة الخْلق وحسن الخُلُق، والتناهي في جميع الفضائل وخصال
البر والتقوى. ومما يدلل على ذلك جواز استخدام لفظ الكمال –الكمال النسبي لا
المطلق- مع البشر، ما جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ
مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ، وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ، وَإِنَّ فَضْلَ
عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ ". معنى الثريد: مركَّب من لحم وخبز، واللحم
سيد الآدام، والخبز سيد الأقوات، فإذا اجتمعا لم يكن بعدها غاية، هذا ما قاله ابن
القيم رحمه الله في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد".
5) أَرْجُـو بِـهِ أَنْ يَنْـفَـعَ الطُّـلاَّبَـا
= وَالأَجْــرَ وَالْـقَـبُـولَ وَالـثَّـوَابَــا
أي: يُؤمِّل الشيخ الجمزوري رحمه الله بهذا النظم أن ينفع الطُلاَّب (جمع
طالب، وطَلاَّب)، ويشمل المبتدئ والمتوسط والمتقن لعلم التجويد، كما ويؤمل أن يكون
له الأجر والقبول والثواب من الله تعالى. وقصد الناظم بالقبول هنا: أي أن يقبله
الله تعالى بسبب هذا النظم أو يقبله منه أو يقبله وإياه ومن اعتنى به، نسأل الله
أن نكون من أهل القبول. ويُستخدم لفظي الأجر والثواب بمعنى واحد، وقد يُفرق بينهما
بحيث يكون معنى الأجر ما كان مقابل العمل، أما الثواب ما كان تفضلاً وإحساناً من
الله تعالى. وقيل الأجر أخص من الثواب؛ لأن الأجر لا يكون إلا في مقابل إحسان،
والثواب يكون في مقابل الإحسان والإساءة، غير أن الاستعمال القرآني لكلمة ثواب كان
أكثر ما يكون في الخير.