73)
وَبَعْدَ تَجْوِيْدِكَ لِلْحُرُوفِ لاَ بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْوُقُوفِ
74) وَالِابْتِدَاءِ وَهْيَ تُقْسَمُ إِذَنْ
ثَلاَثَةً تَامٌ وَكَافٍ وَحَسَنْ
أي: أيها القارئ بعد معرفتك لتجويد الحروف من خلال ما سبق بيانه في هذه
المنظومة، يجب عليك معرفة أحكام الوقف والابتداء، وهي ثلاثة أحكام: التام والكافي
والحسن. وذكر هنا الناظم أحكام الوقف الجائزة، وأرجأ الحديث عن الحكم الرابع الغير
جائز، وهو الوقف القبيح.
فوائد:
1-
يعرف الوقف بأنه: قطع الصوت بعد النطق بالكلمة
القرآنية زمناً يسيراً يتنفس فيه القارئ بنية إكمال القراءة لا بنية الإعراض عنها،
ويكون الوقف على رؤوس الآي أو بعد آخر الكلمة ولا يكون في وسط الكلمة أبداً.
2-
يقسم الوقف إلى أربعة أقسام:
أ-
الوقف الاضطراري: وهو أن يقف القارئ بسبب ضرورة ألجأت
القارئ للوقف كضيق النفس أو العطاس أو النسيان وغير ذلك.
ب-
الوقف الاختباري: وهو الوقف على الكلمة التي ليست
محلاً للوقف غالباً، وذلك في مقام الاختبار أو التعليم لبيان حكم الكلمة الموقوف
عليها.
ت-
الوقف الانتظاري: وهو الوقف على الكلمة القرآنية بقصد
استيفاء ما في الآية من أوجه الخلاف، ويكون ذلك عند القراءة بجمع الروايات.
وحكم هذه الأقسام الثلاثة الجواز؛ فللقارئ
الوقف على أية كلمة متى دعته الضرورة لذلك أو في مقام الاختبار أو بعرض استيفاء
أوجه القراءات، ثم يعود فيبدأ من الكلمة التي وقف عليها أو التي قبلها مراعاة
للابتداء المناسب.
ث-
الوقف الاختياري: وهو الوقف الذي يختاره القارئ بمحض
إرادته واختياره، وهذا القسم ينقسم إلى أربعة أقسام: (التام، والكافي، والحسن،
والقبيح).
75)
وَهْيَ لِمَا تَمَّ فَإنْ لَمْ يُوجَدِ تَعَلُّقٌ -أَوْ كَانَ مَعْنًى- فَابْتَدِي
76)
فَالتَّامُ فَالْكَافِي وَلَفْظًا فَامْنَعَنْ إِلَّا رُؤُوسَ الآيِ جَوِّزْ فَالْحَسَنْ
(وَهْيَ لِمَا تَمَّ): أي: الأقسام الثلاثة (التام والكافي والحسن) يحصل
فيها تمام المعنى عند الوقف عليها.
(فَإنْ لَمْ يُوجَدِ
تَعَلُّقٌ -أَوْ كَانَ مَعْنًى- فَابْتَدِي
فَالتَّامُ فَالْكَافِي): أي: إذا وقف القارئ على كلمة لا تتعلق بما بعدها لا لفظاً ولا معنًى وهذا هو
الوقف التام، أو إذا وقف القارئ على كلمة تتعلق بما بعدها من ناحية المعنى دون
اللّفظ وهذا هو الوقف الكافي، فيجوز له الابتداء بما بعدها، أي أن الوقف التام
والكافي يجوز الوقف على كل منهما والابتداء بما بعده.
ومن أمثلة الوقف التام: الوقف على انتهاء القصص القرآني، والوقف على أواخر
السور، ومن الوقف التام أيضاً: الوقف على قوله تعالى: " وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ " (البقرة:5)، والابتداء بقوله: "إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُواْ سَوَاءٌ " (البقرة:6).
ومن أمثلة الوقف الكافي: الوقف على قوله تعالى: " وَبِالآخِرَةِ هُمْ
يُوقِنُون " (البقرة:4)، والابتداء بقوله: " أُوْلَئِكَ
عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ " (البقرة:5).
فائدة:
§
التعلق اللفظي (التعلق من جهة اللفظ): هو أن يتعلق الكلام الموقوف عليه بالكلام
الذي بعده من جهة الإعراب، كأن يكون ما بعد الموقوف عليه، صفة للموقوف عليه أو
مضافاً إليه أو معطوفاً عليه أو نحو ذلك.
§
التعلق المعنوي (التعلق من جهة المعنى): هو أن يتعلق الكلام الموقوف عليه بالكلام
الذي بعده من جهة المعنى فقط دون الإعراب، كالإخبار عن أحوال أصحاب اليمين في سورة
الواقعة، فإنه لا يتم المعنى إلا عند قوله تعالى: " ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ "
(الواقعة:39،40). فكل آية من الآيات قبلها إلى بداية الحديث عن أصحاب اليمين،
تتعلق بالآية التي بعدها من ناحية المعنى.
(وَلَفْظًا فَامْنَعَنْ
إِلَّا رُؤُوسَ الآيِ جَوِّزْ فَالْحَسَنْ): أي إذا وقف القارئ على كلمة تتعلق بما
بعدها لفظاً ولا معنًى (وهذا هو الوقف الحسن)، فلا يجوز له الابتداء بما بعدها بل
يبتدئ بالكلمة الموقوف عليها أو بما قبلها مما يصح الابتداء به، مثل: الوقف على (لِلَّهِ)
في قوله تعالى: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الفاتحة:2)،.
ويستثنى من ذلك حالة ما إذا كان الوقف الحسن على رؤوس الآي، فيجوز للقارئ الابتداء بما
بعده، مثل: الوقف على قوله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"
(الفاتحة:2)، والابتداء بقوله: "الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" (الفاتحة:3).
77)
وَغَيْرُ مَا تَمَّ قَبِيْحٌ وَلَهُ الْوَقْفُ مُضْطَرًّا وَيَبْدَا قَبْلَهُ
(وَغَيْرُ مَا تَمَّ قَبِيْحٌ): أي: اعلم أيها القارئ أن أي وقف غير هذه
الأقسام الثلاثة فإنه يسمى الوقف القبيح، وهو الوقف على ما لم يتمّ معناه المقصود
أو أوهم معنى غير المراد. ومن أمثلة الوقف القبيح: الوقف على كلمة (الْحَمْدُ) في
قوله تعالى: " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " (الفاتحة:2)،
وهذا الوقف قبيحاً؛ لكون الوقف على كلمة الحمد لم يُفدْ معنى ولم يتم منه المعنى
المقصود، ومن أمثلة الوقف القبيح: الوقف على كلمة (يَسْتَحْيِي) في قوله تعالى:
" إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا" (البقرة:26)،
وهذا الوقف قبيحاً؛ لكون الوقف على كلمة يستحى أوهم معنى شنيع غير المعنى المراد.
(وَلَهُ الْوَقْفُ مُضْطَرًّا وَيَبْدَا قَبْلَهُ):
أي لا يجوز الوقف على الوقف القبيح إلا في
حالة الاضطرار (الوقف الاضطراري وسبق تعريفه)، وعند زوال سبب الاضطرار لا يجوز
للقارئ الابتداء بما بعده بل يبتدئ بالكلمة الموقوف عليها أو بما قبلها مما يصح
الابتداء به.
78) وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ وَقْفٍ يَجِبْ وَلاَ حَرَامٌ غَيْرُ مَا لَهُ سَبَبْ
أي ليس في القرآن وقف واجب يأثم تاركه أو وقف حرام يأثم فاعله، إلا إذا كان
هناك سبب يستدعي اختلال المعنى المراد من السياق في كلام الله تعالى، كأن يقف
القارئ مختاراً غير مضطر على وقف قبيح يوهم معنى غير المعنى المراد، مثل: الوقف
على كلمة (إِلَه) في قوله تعالى: " لآ إِلَهَ إِلآ أَنتَ "
(الأنبياء:87)، أو على كلمة (الصلاة) في قوله تعالى: " لا تَقْرَبُواْ
الصَّلَوةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى" (النساء:43). وهذين مثالين للوقف الحرام الذي
يأثم فاعله إن تعمد الوقف من غير ضرورة. ومن أمثلة الوقف الواجب الذي يأثم تاركه
إن تعمد وصله بما بعده: الوقف على (قولهم) في قوله تعالى: " وَلَا يَحْزُنكَ
قَوْلُهُمْ م إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا" (يونس:65). إذ إن وصل كلمة (قولهم) في هذه الآية بما
بعدها يؤدي إلى معنى قبيح غير مراد من كلام الله تعالى، وعليه يتعين الوقف عليها،
وهذا ما يُعرف بالوقف اللازم أو وقف البيان، وعلامته في المصحف وضم ميم أفقية (م)
على الكلمة التي يلزم الوقف عليها إن كان الوقف اللازم في وسط الآية.
فوائد:
أولاً: علامات الوقف في القرآن الكريم، هي:
1-
(م):
علامة الوقف اللازم.
2-
(قلى):
علامة الوقف الجائز مع كون الوقف أولى.
3-
(صلى):
علامة الوقف الجائز مع كون الوصل أولى.
4-
(ج): علامة الوقف الجائز جوازاً مستوى الطرفين.
5-
(لا):
علامة الوقف الممنوع، وعدم جواز الابتداء بما بعدها.
6-
(النقط
المثلثة): علامة تعانق الوقف وهو ما يسمى وقف المراقبة، بحيث إذا وقفت على أحد
الموضعين لا يصحّ الوقف على الآخر.
ثانياً: هناك فرق بين الوقف والقطع والسكت، وسبق الحديث عن الوقف، وسنوضح
المقصود بالقطع والسكت على النحو التالي:
1-
القطع:
وهو قطع الصوت بعد النطق بالكلمة القرآنية بنية التوقف عن القراءة أو هو
الانتهاء من القراءة والانصراف عنها إلى أمر آخر لا علاقة له بها، ولا يكون القطع
إلا على رؤوس الآي ولا يكون في وسطها، والقطع يكون حسناً جائزاً إن كان على موضع
لو وقف عليه لكان الوقف تاماً أو كافياً، ويكون القطع قبيحاً غير جائز إن كان على
موضع لو وقف عليه لكان الوقف حسناً، وينبغي الحذر من القطع على أواخر بعض الأجزاء
أو الأحزاب والأرباع التي تتعلق بما بعدها في المعنى، ومن أمثلة ذلك: القطع عند
نهاية الجزء الثامن عند قوله تعالى: " اصْبِرُوا حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا ج وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ "
(الأعراف:87)، وذلك أن نهاية الجزء الثامن في وسط قصة شعيب عليه السلام، وعليه
ينبغي على القارئ الحذر من القطع على كلام متعلق بما بعده في المعنى حتى ولو نهاية
جزء أو حزب أو ربع.
2-
السكت:
وهو قطع الصوت بعد النطق بالكلمة القرآنية زمناً يسيراً لا يتنفس فيه
القارئ، ومقدار زمن السكت حركتان، وعند الإمام حفص عن عاصم هناك أربع سكتات واجبة
وسكتتان جائزتان.
أما السكتات الأربع الواجبة عند الإمام حفص عن عاصم، هي:
أ-
السكت على الألف المبدلة من التنوين في لفظ (عِوَجاً)،
في قوله تعالى: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ
وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً س، قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا " (الكهف:1،2). ويجب
السكت في هذا الموضع حال الوصل، ويجوز الوقف على كلمة (عِوَجاً) والبدء ب
(قَيِّماً)؛ لأن الوقف على رؤوس الآي سنة. وحكمة السكت هنا أن الوصل من غير سكت
يوهم أن كلمة (قيماً) صفة لكلمة (عوجاً) ولا يستقيم أن يكون القيم صفة للمعوج.
ب-
السكت على ألف (مَرْقَدِنا)،
في قوله تعالى: " قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا س هذا
ما وَعَدَ الرَّحْمنُ " (يس:52). ويجب السكت على (مَرْقَدِنا) حال الوصل،
ويجوز الوقف على هذه الكلمة لتمام المعنى. وحكمة السكت هنا أن الوصل من غير سكت
يوهم أن قوله تعالى: " هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ " من قول المشركين
المنكرين للبعث بل هي من رد المؤمنين أو الملائكة عليهم.
ت-
السكت على نون (مَنْ)، في قوله تعالى: " وَقِيلَ
مَنْ س راقٍ " (القيامة:27). ويجب السكت هنا ولا يجوز الوقف ولا الوصل
بالإدغام.
ث-
السكت على لام (بَلْ)، في قوله تعالى: " كَلَّا بَلْ س رانَ "
(المطففين:14). ويجب السكت هنا ولا يجوز الوقف ولا الوصل بالإدغام.
وحكمة السكت في هذين الموضعين أن الوصل
فيهما من غير سكت يوهم أنهما كلمة واحدة فيتغير المعنى، هكذا: (مراق) صيغة مبالغة
من المروق بمعنى الهروب، و (بران) مثنى (بر) وهو ضد البحر، والصحيح أنهما كلمتان
منفصلتان، ولذا وجب السكت.
أما السكتات
الجائزة عند الإمام حفص عن عاصم سكتتان، وهما:
أ-
السكت بين آخر سورة الأنفال في قوله تعالى: " إِنَّ
اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "
(الأنفال:75)، وبداية سورة التوبة أي قوله تعالى: " بَرَآءةٌ مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ " (التوبة:1).
وفي هذا الموضع أوجه ثلاثة: الوقف، والوصل مع السكت، والوصل بدون سكت مع الإتيان
بحكم الإقلاب. وهذه الأوجه الثلاثة جائزة فيما لو وصلنا نهاية أي سورة قبل سورة
التوبة في ترتيب المصحف مع بداية سورة التوبة.
ب-
السكت على كلمة (مَالِيَهْ) في
قوله تعالى: "مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ س هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ" (الحاقة:29،28). وفي هذا
الموضع أوجه ثلاثة: الوقف، والوصل مع السكت، والوصل بدون سكت مع الإتيان بحكم
إدغام المتماثلين.
ثالثاً: الابتداء يعرف بأنه: هو الشروع في القراءة بعد قطع أو وقف. فإن كان
بعد قطع فتستحب الاستعاذة وتستحب البسملة إن كان الابتداء من أثناء السورة، أما إن
كان الابتداء من أول أي سورة سوى سورة التوبة فتتعين البسملة. وإن كان بعد وقف فلا
يؤتى بالاستعاذة ولا بالبسملة إلا إن كان الابتداء من أول أي سورة سوى سورة التوبة
فتتعين البسملة.
والابتداء بعد قطع يكون حسناً جائزاً إن
كان بعد قطع حسن على وقف تام أو كافٍ، ويكون قبيحاً غير جائز إن كان بعد قطع قبيح
على وقف حسن.
والابتداء بعد وقف يكون حسناً جائزاً إن
كان ابتداء بكلام يفيد معنى بعد وقف تام أو كافٍ أو حسن على رؤوس الآي، ويكون
قبيحاً غير جائز إن كان ابتداء بكلام لا يفيد معنى بعد وقف قبيح أو وقف حسن على
غير رؤوس الآي.